في كلمته التي وجهها، بمناسبة العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، وضع سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد أبناءه وإخوانه المواطنين أمام كثير من الحقائق، وأعاد سموه أيضا التذكير بما كان ينادي به ويدعو إليه دائما منذ توليه مقاليد الحكم، من ضرورة التمسك بالوحدة الوطنية، ورص الصفوف لتشكل سدا منيعا أمام كل رياح الفتنة وأعاصير الفرقة وزوابع الخلاف، والحرص على أن تظل الكويت محصنة ضد كل ما يشكل تهديدا لأمنها واستقرارها.
وقد بدا لنا جميعا مدى حرص صاحب السمو، وقد جاءت كلمته في أعقاب الجريمة الإرهابية المروعة التي استهدفت مسجد الإمام الصادق بمنطقة الصوابر، وأسقطت عشرات الشهداء ومئات الجرحى، وتركت في قلوب الكويتيين جرحا غائرا، بدا لنا مدى حرص سموه على أن ينبه إلى أنه بقدر ما صاحب هذه المأساة من ألم، فإنها حملت في طياتها كثيرا من الجوانب التي تمثل أملا ونورا وهدى على طريق المستقبل… وبتعبيره السامي وهو يخاطب إخوانه وأبناءه المواطنين قائلا: «لقد سطرتم أبهى صور الولاء والوفاء لوطنكم، بما تحليتم به من روح وطنية عالية، وما أبرزتموه من حرص على تعزيز الوحدة الوطنية، وما أبديتموه من مظاهر التعاطف والتراحم، إزاء حادث التفجير الارهابي الآثم على مسجد الامام الصادق، وأثبتم بجلاء صلابة المجتمع الكويتي ووحدته في مواجهة العنف والفكر التكفيري المتطرف، وتكاتفه في السراء والضراء».
هذه إذن هي الكويت التي نعرفها ويعرفها سمو الأمير جيدا، كويت المحبة والتضامن والتكاتف، العصية على الاختراق وعلى كل الدسائس والمؤامرات، ومحاولات الفتنة وشق صفها الموحد، وتلك هي مواقف أبنائها التي بهرت العالم كله، والتي كما أكدت ذلك الكلمة السامية أيضا «أفشلت ما كان يرمي اليه مدبرو ومنفذو هذه الجريمة النكراء، من محاولات يائسة وسلوك شيطاني مشين لاشعال الفتنة واثارة النعرات وشق وحدة المجتمع الكويتي، فردوا على أعقابهم خاسئين مدحورين، لتنتصر الكويت وتبقى وحدة وتماسك أبنائها عصية على كل من يحاول النيل منها».
وفي ضوء هذه المواقف الكبيرة والمجيدة التي سجلتها الكويت تجاه ذلك الحادث الإجرامي، فقد كان مهما أن يؤكد سمو الأمير على أن المواطنة الحقيقية تقاس بما يقدم للوطن من عطاء وإخلاص وولاء وتضحية وفداء، وأن الانتماء للوطن ليس شعارا يُتغنى به، بل هو عمل وتفانٍ للحفاظ على أمنه واستقراره ورفع شأنه، والتأكيد أيضا أن «الكويت لجميع أبنائها وليست لفئة دون اخرى فالكل يعيش على ارضها وينتمى لهويتها».
وعلى الرغم من أن دولا كثيرة عندما تقع فيها مثل تلك الحوادث الإرهابية، تبادر إلى إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية، ضمانة لضبط الأمن ومنع تكرار الجرائم، فإن الكويت لم تفعل ذلك، بل إن قائدها حرص على أن يبعث برسالة للجميع، مفادها أنه لا تراجع عن الديموقراطية، ولا نكوص عن الحريات، ولا مساس بالدستور أو القانون وحقوق الإنسان، وإنما مزيد من التمسك بكل ذلك، والتأكيد على إيمان القيادة السياسة الذي لا يتزعزع بأن هذه هي الضمانات الحقيقية للأمن والاستقرار، ولتعزيز وحدة الوطن وتكاتف أبنائه، وأن علينا «أن نتذكر ما ينعم به وطننا العزيز من نهج ديموقراطي متجذر وثابت، توارثه اهل الكويت يملك فيه الجميع حرية التعبير، وأن نفخر بدستورنا الذي ارتضيناه والذي هو محل اعتزازنا».
وليس غريبا بالطبع أن يركز صاحب السمو في كل كلماته، خلال السنوات الأخيرة، على ضرورة الاهتمام بالشباب، باعتبارهم «الثروة الحقيقية لوطننا العزيز»، وأهمية تحصينهم من الافكار الضالة والسلوك المنحرف، والعمل على تمسكهم بديننا الاسلامي الحنيف الداعي إلى الوسطية والاعتدال، وتعزيز قيم الانتماء لوطنهم… فتلك بالفعل هي المرتكزات الكفيلة بحمايتهم من الانجرار وراء دعوات ودعاة الفتنة الذين يستثمرون في «فراغ» بعض الشباب، و«جهل» بعضهم الآخر، ليحولوهم إلى قنابل موقوتة، تهدد أمن مجتمعهم واستقراره.
ولأن الكويت ليست بمنأى عما يحدث حولها في المنطقة، فقد كان طبيعيا أن تلفت الكلمة السامية كذلك إلى ما يواجه عالمنا الإسلامي من «ظروف عصيبة ومصائب جمة وتحديات سياسية وأمنية خطيرة، امتزجت معها الفتن وتعددت فيها الخطوب والمحن وكثر فيها دعاة الباطل والتكفير والبدع»، وأن تدعو إلى التآزر والتكاتف لدرء هذه المخاطر ومواجهة هذه المصائب والتحديات. وبالقدر نفسه فإنها دعت المجتمع الدولي كله إلى التعاون والتضامن من أجل مكافحة ظاهرة الإرهاب التي باتت تهدد العالم كله الآن، ولم يعد أحد بمنأى عن خطرها الكبير.
هكذا جاءت كلمة العشر الأواخر لتشكل – كما وصفها نواب الأمة بحق – «خارطة طريق» لتعزيز الانتماء، وترسيخ قيم الوحدة الوطنية، ونبذ كل دعوات الفتنة والكراهية، والتأكيد أن الكويت لن تبدل «جلدها» أبدا، أو تضحي بدستورها واحترامها للقانون والحريات وحقوق الإنسان، وستبقى – كما عهدها الجميع – واحة للديموقراطية، ووطنا آمنا مستقرا ومزدهرا، بفضل الله تعالى، وبتماسك أبنائه وتصديهم لكل من يحاول اختراق «حائط» وحدتهم ومنعتهم وقوتهم.