استعاد الشعب المصري ذكرياته في ميدان التحرير، وتوافد بأعداد كبيرة تصل إلى عشرات الآلاف ليفرض كلمته في الاحتفال داخل أرجاء الميدان ببدء العمل الرسمي في «قناة السويس الجديدة»، وذلك رغم قرار الجهات المعنية بنقل مظاهر الاحتفالات إلى ميدان «عابدين». ولقد لقيت رغبة الشعب بالاحتفال بميدان التحرير استجابة سريعة من الحكومة، وزاد عليه قيامها بعد غروب شمس بتوفير ساحة تحتوي على اضاءات ليزر متحركة ناحية مجمع «التحرير» يتجمع الشباب على أضوائها فرحا وسط هتافات مدوية بشعار «تحيا مصر» مصحوبة بالطبل والزمر والزغاريد.
وقد تزين ميدان التحرير رمز ثورتي «25 يناير و30 يونيو» لاستقبال عشرات الآلاف من المواطنين الذين كانوا أصحاب الكلمة العليا والوحيدة في الميدان، حيث كان الجميع يرفعون شعارا واحدا، هو «علم مصر»، حيث اختفى كليا أي ظهور للأحزاب والكيانات السياسية.
وظل المواطنون، أطفالا وشبابا وكبارا، يهتفون بأعلى أصواتهم «ارفع راسك فوق.. أنت مصري» و«سيسي.. سيسي.. أوعى يجيلك سيسي»، في إشارة لمن شكك في مشروع قناة السويس الجديدة، كما ظل آخرون يجوبون الميدان بسياراتهم حاملين مكبرات الصوت التي تصدح بالأغاني الوطنية، فيما ظهر عدد من الأشقاء العرب وسط جموع المصريين رافعين أعلام بلادهم لمشاركة المصريين فرحتهم.
وما بين الاحتفالات انتشر باعة الأعلام وعربات العصائر والمأكولات، وذلك وسط وجود كثيف لعربات الإسعاف وحماية مشددة من رجال الشرطة الذين كانوا يجوبون ميدان التحرير ومحيطه بسيارات التدخل السريع والأمن المركزي وكذلك القوات المترجلة التي تضم رجال المرور الذين ينظمون حركة سير المركبات بمساعدة المواطنين، وبسؤال أحد رجال الشرطة الذي رفض ذكر اسمه عن كيفية تأمين الاحتفالية، قال: «الشعب هو الذي يحمينا.. ونحن فداء للوطن».
أكد خبراء الاقتصاد والمصرفيون أن مشروع قناة السويس الجديدة، سيساهم في تغيير خريطة التجارة والملاحة في العالم لتستحوذ على ما يقرب من نسبة الثلث من إجمالي حجم التجارة في العالم، وأكثر من 35% من الحاويات العملاقة في العالم، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على الاقتصاد المصري.
الفقي: 15 مليار دولار حصيلة القناة بحلول عام 2023
توقع فخري الفقي، مساعد مدير صندوق النقد السابق، أن يؤدي حفر قناة السويس الجديدة إلى ارتفاع حصيلة إيرادات القناة إلى نحو 15 مليار دولار بحلول عام 2023، وهو يعادل إيرادات السياحة خلال عام 2010، مما يؤدي إلى ارتفاع حجم الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي، مضيفا أن زيادة حجم الغاطس للقناة الجديدة سيسمح بمرور المزيد من السفن العملاقة، ومن ثم ستستوعب الزيادة في حركة التجارة العالمية. وأضاف «الفقي»، في تصريح خاص لـ «اليوم السابع»، أن القناة الجديدة ستؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة ما سيؤدي إلى خفض معدل البطالة عقب الانتهاء من مخطط مشروع تنمية القناة، كما سيعزز من إيرادات الموازنة العامة للدولة، فضلا عن تعزيز القيمة المضافة للاقتصاد المصري، متوقعا أن يصل إيرادات مشروعات تنمية محور قناة السويس إلى 100 مليار دولار خلال الـ10 سنوات المقبلة.
فهمي: القناة تمثل أهمية للعالم بأكمله
من جانبها قالت الدكتورة بسنت فهمي الخبيرة المصرفية: إن أهمية تحقيق حلم مشروع ازدواج المجرى الملاحي لقناة السويس لا يكمن في مصر فقط بل يمثل أهمية للعالم بأكمله، حيث إن المشروع سيوفر سرعة في التوصيل والتبادل للتجارة الدولية، مؤكدة أن العائد الحقيقي للقناة بالنسبة لمصر هو إنشاء وتنفيذ مشروعات بجوار المحور، وبالتالي سوف يساهم ذلك في توفير المزيد من فرص العمل وزيادة الحصيلة الضريبية وغيرها. وأضافت الخبيرة المصرفية في أن افتتاح المجرى الملاحي الجديد سيؤدي إلى زيادة أعداد السفن وحجم التجارة الدولية، وبالتالي سيكون هناك زيادة في الإيرادات، لافتة إلى أنه لا بد من التركيز في كيفية تشجيع وجذب الشركات العالمية للعمل على المحور. وتابعت: «يمكن إقامة مشروعات صناعية ولكن يجب مراعاة أن يتم الاعتماد خلال التصنيع على المواد المحلية بدلا من الاستيراد من الخارج حتى لا يمثل ذلك خسائر للصناعة المصرية».
بدرة: القناة بداية لعهد جديد
من جانب آخر أكد مصطفى بدرة، خبير التمويل والاستثمار، أن افتتاح قناة السويس الجديدة يعد بداية لعهد جديد يحمل الخير لمصر ومرحلة لا بد وأن تتسم بالبناء، لافتا إلى أن أي عهد جديد للاستثمار يجب تكون مدعومة بكيفية الاستغلال الأمثل للمنطقة لأنه بعد مرحلة التشغيل للمجرى الملاحي ستقبل الشركات العالمية على ضخ استثماراتها. وأضاف: بعد نجاح القناة الجديدة في تقليل الفترة الزمنية لعبور السفن ستكون هناك استثمارات مباشرة تتمثل في وجود فرص تشغيل وإقامة منطقة صناعية كبيرة، لافتا إلى أن السيارات والمعدات الكبيرة الخاصة بالتنقيب عن البترول والسلع الغذائية من أكثر الصناعات التي يكون هناك طلب عليها وتواكب الاستثمارات القادمة. وتابع: «افتتاح قناة السويس بداية تزيد من الاستثمار في مصر وترفع من العوائد بما لا يقل عن مليار ونصف جنيه زيادة سنويا، إضافة إلى أن إقامة منطقة تجارة حرة يعد تحول كبير يخدم دول الخليج وأوروبا وأفريقيا.