في كل المواقف التي تمر بهم، وأمام جميع التحديات التي تواجههم، يدرك أهل الكويت أن حائط الصد الوحيد لهم، وسفينة إنقاذهم، وسبيل نجاتهم، هي وحدتهم الوطنية، ورفضهم كل دواعي الفتنة وشق الصف.
وليس هذا بمستغرب على الكويت التي واجهت أصعب وأقسى اختبار، في الثاني من أغسطس عام 1990، وتعرضت الدولة كلها آنئذ لخطر المحو من الوجود، لكنها انبعثت من الرماد كطائر الفينيق، على الرغم من أنها لم تكن تملك أرضا ولا عتادا بعد أن استولى المحتل الغازي على أرضها ومقدراتها ومواردها ومؤسساتها، ودمر كل ما طالته يداه… لم تكن الكويت تملك وقتها سوى وحدتها الوطنية، التي تجلت في أعظم وأروع صورها، لتتحدى الطغاة وتحشد إلى جانبها العالم كله؛ مؤيدا وناصرا لها، حتى استعادت أرضها وحررت ترابها الطهور من دنس المحتل الغاصب.
هذا الموقف الوطني الرائد الذي سجله التاريخ بأحرف من نور لكل ابناء الشعب الكويتي، شكل مرجعية لهم في كل المواقف التي تلت ذلك، ولعل أقربها إلى الأذهان ما حدث في أعقاب جريمة تفجير مسجد الإمام الصادق، من وقوف جمع أبناء الكويت بكل أطيافهم في وجه تلك الجريمة المروعة، وإدانتهم البالغة لمرتكبيها، وتأكيدهم أن أحدا لن يستطيع المساس بوحدتهم الوطنية، رافضين لكل محاولات الفتنة وشق الصف والنيل من أمن الكويت واستقرارها، ليثبتوا في كل مرة أنهم أكبر من كل بغاة الفتنة، وأن هذا الوطن العزيز سيبقى منيعا محصنا بقوة وحدته وتضامن أبنائه، ويقظة رجال أمنه الأوفياء المخلصين.
وهكذا سيظل الكويتيون يقدمون نماذج رائدة للاصطفاف الوطني، ورفض محاولات الفتنة واختراق وحدتهم، موقنين بأن الوطن أبقى وأعلى من الجميع، وأن «الكويت باقية ونحن جميعا زائلون»، كما كان يردد دوما المغفور له الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد.
وذلك أيضا هو ما يؤكد عليه في كل مناسبة سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد… ولعل من أبرز كلماته في هذا الشأن ما شدد عليه سموه في كلمة العشر الأواخر من رمضان الماضي، والتي قال فيها : «لا شك انكم تدركون طبيعة الظروف والاوضاع الحرجة التي تمر بها المنطقة وتتابعون مجرياتها ومخاطرها، مما يستوجب معها اخذ الحيطة والحذر واستنباط الدروس والعبر لتلافي تداعياتها ومخاطرها التي لسنا بمنأى عنها، لحماية وطننا والحفاظ على امنه واستقراره وتجنيبه المخاطر، ولن يكون ذلك الا بمزيد من تعزيز جبهتنا الداخلية وبالتكاتف والتلاحم، والوقوف في وجه كل من يحاول المس بوحدتنا الوطنية التى هي السياج الحامي والحافظ، بعد الله تعالى، لوطننا العزيز، وعلينا تعزيز الترابط بين كل افراد المجتمع، والحفاظ على الروح الكويتية المعهودة»، وتأكيد سموه أيضا أن «الكويت كانت وستظل، بإذن الله تعالى، مثالا للتراحم والتكافل والنهج السمح الذي سار عليه آباؤنا منذ القدم، وورثوه لنا برغم ما مروا به من شظف العيش وقسوة الطبيعة»، وقوله كذلك «اننا نؤمن بان الكويت لجميع أبنائها، وليست لفئة دون اخرى، فالكل يعيش على ارضها وينتمي لهويتها».
تلك إذن هي المعالم التي يترسمها أهل الكويت للحفاظ على وطنهم منيعا قويا ومحصنا ضد كل محاولات استهدافه، وهي معالم ترسمها قيادته الحكيمة، ويهتدي بها الشعب، في مسيرته التي ستتواصل دوما لتحقيق كل أحلام الحاضر والمستقبل.