لم يعد السادس من أكتوبر، الذي يصادف اليوم الثلاثاء، مجرد ذكرى تاريخية في حياة مصر والأمة العربية، وإنما هو أيضا منطلق لصنع مستقبل أفضل لكل أبناء هذه المنطقة، ذلك أن هذا التاريخ يعبر عن إرادة أمة قررت أن ترفض الهزيمة، وتأبى الانكسار أو الخنوع، وأن تجعل من نكستها انتصارا، وعبورا إلى تحقيق الآمال والأحلام اللائقة بها.
هذا الانتصار الكبير الذي قادته مصر في العام 1973، كانت وراءه عوامل كثيرة مهدت له، وساهمت في إنجازه، أولها وأهمها بلا شك هو استعادة «روح النصر»، التي خنقتها هزيمة 1967، والتخطيط الإستراتيجي المحكم، والتدريب المتواصل… ولا يقل عن ذلك كله أهمية التكاتف الشعبي الذي شهدته مصر في تلك الحرب، وكان بحق نقطة مضيئة ورائعة في حياة مصر والمصريين، ودرسا بالغ الأهمية يبرهن على أن النصر لا يأتي من فراغ، وأن القوات المسلحة في أي دولة لا يمكن أن تنتصر على عدوها، ما لم يكن لديها ظهير شعبي يؤازرها ويساندها، ويقوم بدور موازٍ لما تقوم به.
وفي ذكرى هذا النصر العظيم، فإن مصر لا بدّ أن تستعيد تلك الأجواء التي كانت سائدة في العام 1973، وأن يدرك شعبها أنه إذا كان أكتوبر 73 عبورا إلى النصر على إسرائيل، فإن أكتوبر 2015 يمثل عبورا إلى المستقبل، بكل ما يحمله هذا المستقبل من أمنيات وطموحات، وإصرار على تخطي الصعوبات والمعوقات التي تعترض طريقه. وقد رأينا كيف أن هذا الشعب عندما يريد فإنه لا شيء يقف أمامه، فقد مرّ خلال السنوات الأربع الماضية بأزمات وصعوبات كانت كفيلة بأن تضعه على سكة الانهيار السياسي والاقتصادي والمجتمعي، كما حدث في دول أخرى، لكن الشعب المصري استطاع بما له من إرث حضاري عريق، ومخزون ثقافي كبير، أن يتجاوز كل تلك الأزمات، ويثبت أنه عصي على الانقسام والتشرذم، وأنه لا مكان في ثقافته وممارساته لـ «الاحتراب الأهلي» الذي أصاب دولا أخرى ومزقها كل ممزق.
ومن المنطقي والطبيعي أن شعبا استطاع، ليس فقط أن يتجاوز أزماته، بل وأن ينجز في زمن قياسي عددا من المشروعات القومية الكبرى، أبرزها وأهمها قناة السويس الجديدة، وأن يضع لبنات أساسية لإقامة العديد من المشاريع الكبرى الأخرى، كمشروع المليون فدان، والمليون وحدة سكنية، وإنشاء شبكة طرق بامتداد مساحة مصر كلها، والبدء بالمشروع – الحلم المتمثل في تطوير إقليم قناة السويس، هذا الشعب الذي فعل كل ذلك جدير بأن ينجز العبور الثاني، الذي لا يقل أهمية عن نظيره الأول، وأن يشكل في الوقت ذاته قاطرة لعبور كل دول المنطقة من ورائه، إلى عصر التقدم والتطور، وكذلك إلى الاستقرار المأمول.
ومصر التي عبرت إلى النصر في 1973، قادرة بكل تأكيد على العبور إلى المستقبل في 2015.