أمام مشاهد المجازر والتهجير التي تشهدها كل من ليبيا وسورية والعراق، وفي ظل تصاعد قوة الجماعات الإرهابية، بدءا من تنظيم القاعدة مرورا بـ «داعش» وصولا إلى «حزب الله» وغيرها من العصابات يبحث المواطن العربي عن جواب لسؤال: لماذا تترك هذه الدول لإيران والولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة، فيما يبدو العرب كأنهم يخوضون مباراة كل منهم يسعى إلى رمي الكرة في مرمى الآخر؟ اليوم دخلت روسيا طرفا جديدا في سورية، بعد إيران وحرسها الثوري والعصابات المؤيدة لها، وهي لا شك تبحث عن مصالحها ولا تعنيها آلاف الأرواح التي تزهق في القصف والمجازر، ولا مئات آلاف المهجرين الذين يبتلع البحر بعضهم بمشهد مروع لم يسبق للعالم أن شهد مثله، فيما العراق فتلك قصة طويلة، قديمة – جديدة، من المآسي تعود إلى العام 1958 حين سحل الملك فيصل في شوارع بغداد، ومنذ ذاك الوقت والمقتلة مستمرة، أما ليبيا شبه المنسية فيتوسع فيها «داعش» بهدوء، كما تعيش فلسطين فصلا جديدا من مأساتها المستمرة منذ عقود، وفي كل هذا ثمة يقين عند ملايين العرب أن أوطانهم كلها مرشحة لدخول نادي الفوضى الدموية هذه، بينما حكوماتهم لا تحرك ساكنا، حتى إذا اجتمع مجلس جامعتهم لا تخرج بياناته عن الاستنكار الذي لم يرجع يوما حقا أو يقدم حلا لمسألة. ها نحن مقبلون على السنة الخامسة من كارثة الدم والدمار، ولم نرَ أي تحرك فاعل لحل أزمة تلك الدول التي باتت قنابل موقوتة تهدد الكيان العربي برمته، فهل المسألة مرتبطة بأشخاص فقط أم أنها مصير شعوب؟ ألا يمكننا السعي، مثلا، لحل الأزمة السورية ووقف طوفان المهجرين والدم والمجازر وتوالد المنظمات المتطرفة التي شارف عددها على المئات؟ ألا يمكن للعرب ذلك بوجود بشار الأسد على رأس السلطة أو من دونه؟ هذا الإهمال المتراكم لقضايا الدول العربية، وتركها للغير هو السبب الأول في تحكم دول كروسيا وإيران والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في عالمنا الصغير هذا، وانقسامنا أيضا السبب في تعزيز قوة إسرائيل واستهتارها بأرواح الفلسطينيين، والمواقف السياسية غير الفاعلة هي التي فاقمت المأساة في كل من سورية والعراق، فإذا كان العرب أهملوا الأخيرة بعد الإطاحة بنظام صدام حسين وتركوها للولايات المتحدة وإيران لتقررا مصيرها، فإنهم أيضا هم من ساعدوا على تعقد الأزمة السورية، وفي نهاية المطاف تركتا لتواجها مصيرهما الأسود تحت رحمة وحوش المصالح. لا يزال أمامنا متسع من الوقت لتجنيب المنطقة ككل مقتلة كبرى، ولا يكون ذلك إلا بحزم أمرنا وحل مشكلاتنا بأنفسنا والكف عن الاعتماد على الآخر الذي لا يفعل ذلك مجانا، بل بثمن وهو باهظ جدا، فالدول ليست مؤسسات خيرية.