تشير إحصاءات النيابة العامة إلى ارتفاع معدلات جرائم الاعتداء على النفس وعلى رأسها «القتل» بشكل ملحوظ خلال الفترة ذاتها، وبحسب تلك الإحصاءات بلغ إجمالي عدد جرائم القتل الواردة إلى النيابة خلال الشهور الستة الأولى من العام الجاري 364 جريمة، وبمعدل تقريبي جريمة قتل كل اثنتي عشرة ساعة، أو جريمتا قتل يوميا… فلماذا تنتشر الجريمة في الكويت بلد القانون والمؤسسات؟
«الخليج» ناقشت الأسباب وراء ارتفاع هذه الجرائم مع عدد من المختصين الذين أكدوا أن هناك العديد من الدوافع وراء ارتكاب هذه الجرائم.
بداية قال المحامي أحمد المليفي: بداية لا بد من التأكد من صحة هذه المعلومات، وهل هي صادرة فعلا عن طريق تقرير حقيقي من النيابة العامة أم لا؟ ولو افترضنا صحة هذا التقرير فلا بد أن نشير إلى أن العالم كله تغير، وأصبح العنف سائدا في العديد من المجتمعات.
وأضاف: من مظاهر العنف انتشار مثل هذه الجماعات الإرهابية التي تبيح القتل وسفك الدماء وهتك الأعراض، مثل داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية التي انتشرت في سورية والعراق.
وتابع: لعبت وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة التي انتشرت بين أيدي الشباب في الكويت وفي العالم العربية دورا كبيرا في تسمم فكر هؤلاء الشباب، الأمر الذي أحل لهؤلاء الشباب القتل وسفك الدماء دون التفكير في العقوبة التي قد تقع على مرتكب الجريمة.
وقال المليفي: هناك حالة من انعدام الوعي القانوني لدى هؤلاء الشباب بنتيجة ارتكاب مثل هذه الجرائم على الناس، وهناك دلائل تشير إلى انعدام الوعي القانوني لدى النساء أكثر من الرجال، وتجد الشباب اليوم يرتكب الجريمة غير مبال مستهترا بأرواح الناس أو ممتلكاتهم، معتقدا أنه مع ارتكاب هذه الجريمة لن يعاقب، وقد يكون ارتكبها دون أن يفكر في عقاب.
وأشار إلى أن جيل الشباب الحالي جيل تسمم تفكيره، من خلال وسائل الاتصال المختلفة، أو من خلال بعض الشخصيات التي تظهر في بعض الأفلام والمسلسلات وتقوم بالقتل وسفك الدماء من دون رقيب أو حسيب. وقال: بعض هؤلاء الشباب يتقمص هذه الشخصيات، ويجد نفسه في لحظة مرتكبا لجريمة قتل دون أن يدري بالعواقب التي ستحل به، نتيجة جهله بالقانون.
وشدد المليفي على أهمية أن تتعاون مؤسسات الدولة المختلفة، مثل وزارات التربية والإعلام والأوقاف لتوعية النشء بمثل هذه العواقب التي تقع على الفرد عند ارتكابه مثل هذه الجرائم.
وأضاف: لا بد من إقامة دورات تثقيفية، تذهب هذه الدورات إلى هؤلاء الشباب وتخاطبهم بشكل مباشر وتنمي لديهم الثقافة القانونية وعواقب ارتكاب مثل هذه الجرائم البشعة، لافتا إلى أن الأمر لا يقتصر داخل المجتمع على القتل، بل هناك بعض الجرائم الأخرى التي أصبحت متفشية في المجتمع مثل جرائم الرشوة التي تفشت بشكل كبير، وجرائم السرقة بالإكراه، والتزوير إلى غير ذلك من أمور يرتكبها الجاني ولا يعرف النتائج والعواقب التي تترتب على مثل هذه الجرائم.
وقال: هناك جهل عميق بالقانون وراء انتشار هذه الجرائم داخل المجتمع، ولو تمت العناية بتثقيف الشباب الكويتي في العديد من المسائل القانونية سوف نتخلص من 50 في المائة من هذه الجرائم داخل المجتمع. وأشار إلى أن هناك نقطة أخرى مهمة في هذه المسألة، وهي أن الدولة استطاعت تطبيق القانون على الوافد دون أي تهاون، فمن يخالف قوانين المرور يتم تسفيره على الفور، ويفصل من وظيفته، وقد يسجن، في حين أنه في المقابل قد يرتكب المواطن نفس المخالفة ويتبع اسلوب اضرب واهرب ولن تحاسب، وهذا أمر غير صحيح وناتج عن عدم وعي بالقانون. وقال: اليوم نرى أن هناك انتشارا للسرقات بين الطلاب والطالبات، وتجد طالبة تدخل إلى الجمعية تسرق، ولا تعرف ما النتيجة المترتبة على هذه الجريمة، فلا تعرف أنها قد تسجن، وبالتالي ضاع مستقبلها. وأشار إلى أن هناك تقصيرا من قبل وسائل الإعلام المختلفة، خاصة تلفزيون الدولة في تثقيف الناس بمثل هذه الجرائم، لافتا إلى أن وسائل الإعلام إن اجتهدت أتت بالضيف غير الصحيح ومن المفترض أن تقوم تلك الوسائل باستضافة ضابط الواقعة الذي ألقى القبض على المتهم القاتل أو المزور أو السارق ليشرح للناس كيف قام الجاني بتلك الجريمة، وما هي العقوبة التي قد تقع عليه عقب ارتكاب تلك الجرائم.
وقال: علينا كذلك ألا نغفل دور المسجد، فدور أئمة المساجد كبير في نشر الوعي والثقافة الحقيقية بين المجتمع، وكذلك دور المدارس فالطالب يقضي أغلب يومه داخل المدرسة، مشددا على ان الدولة عليها اليوم أن توجد جهازا توعويا لنشر الثقافة داخل المجتمع للحد من انتشار مختلف الجرائم التي أصبحت اليوم مشاعا داخل المجتمع.
من ناحيته قال المحامي أحمد الحمادي: التساهل في الإجراءات مع مرتكب مثل هذه الجرائم هو الدافع الأول لقيامه بها، إضافة إلى تدخل الواسطة للتقليل من العقوبة، وأحيانا لتفادي العقاب في بعض الجرائم. وأضاف: سمعنا عن أحد النواب ذهب ليتوسط لقاتل في المخفر، لافتا إلى أن مرتكب مثل هذه الجرائم يعتقد أنه يمكن لنائب أن يخرجه منها بعد أن قام بجريمته، لذلك يرتكب جرمه من دون تردد، أو خوف من عقاب القانون. وأشار إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي نقلت في السابق قيام أحد النواب بالتوسط لشخص قام بعمليات تزوير سعيا إلى تخفيف الأضرار التي قد تقع على هذا المتهم، ولذلك نقول إذا لم يكن هناك رادع عقب ارتكاب المتهم للجريمة فلا رادع له، وسوف يعود إليها مرة أخرى إذا لم يعاقب.
وقال: قانون الجزاء الكويتي من أروع ما يكون، ولو طبق القانون على هؤلاء المجرمين فسوف تقل الجرائم بشكل كبير.