رسم النطق السامي، في افتتاح دور الانعقاد الرابع لمجلس الامة الخطوط العامة للمرحلة المقبلة، واضعا السلطة التشريعية امام امتحان كبير في مسائل مفصلية عدة، فبلغة أبوية حكيمة توجه صاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد الى النواب، ومن خلالهم الى الشعب الكويتي، بضرورة العمل على الارتقاء بالبلاد، تنمويا وعلميا واقتصاديا، والأهم المحافظة على جوهرها الوحدوي المتسامح، الذي هو الاساس في انتصارها على كل ما واجهته من محن وثباتها في وجه عواصف التغيير التي تجتاح المنطقة. واذا كان النطق السامي مفصليا على الصعيد الداخلي، فهو بالأهمية والوضوح نفسيهما اقليميا، خصوصا في ما يتعلق بأمن “مجلس التعاون” في مواجهة الاخطار التي تهدده. للتاريخ نشهد لم نر تناغما في الرؤى في أي من المجالس السابقة كما كان بالامس في بيت الشعب، فكان خطاب رئيس مجلس الامة التزاما واضحا من ممثلي الأمة بالسهر على تسهيل كل ما تحتاجه السلطة التنفيذية في عملها لترجمة محاور النطق السامي، وهذا ما كان ينتظره الشعب الكويتي منذ زمن طويل. نعم، هذا الشعب الوفي لوطنه وقيادته السياسية كان ينتظر إزالة عثرات تسبب بها اختلاف الرؤى في المجالس السابقة، يوم كنا نقرأ بين سطور كلام بعض رؤساء المجلس ما يشبه بيانا تعبويا وتحريضا يخالف في الشكل والجوهر متطلبات الكويتيين، ما أدى الى نكسة كبيرة في التنمية والاقتصاد والتعليم والصحة والبنى التحتية، وحتى في العلاقات الاجتماعية، وكانت من نتائجه سلسلة من الممارسات الفوضوية كادت تضرب الديمقراطية بمقتل، وتفكك المجتمع الى جزر طائفية وقبلية متناحرة. ان الانسجام التام بين الرؤية الاميرية وبين خطاب رئيس مجلس الامة، ومعهما برنامج عمل الحكومة، هو في الحقيقة تعبير عن حقيقتنا الوطنية الواجب على السلطتين التشريعية والتنفيذية العمل بها وترجمتها سلسلة من الانجازات، وعلى ان تصما آذانهما عن أصوات المرجفين ومهاترات طلاب المصالح الشخصية. أما خليجيا، فبلهجة حاسمة وواضحة قطع سمو الامير دابر التشكيك الذي عملت على اثارته ألسنة التضليل – داخليا وخارجيا – الساعي أصحابها الى شق وحدة الصف الخليجي، عبر اطلاق شائعات عن سياسة كويتية خارجية نغمتها ناشزة عن سيمفونية “مجلس التعاون” فكان التأكيد، مجددا، على وحدة المسار والمصير في هذه المرحلة الحرجة، والتذكير ان “أمن الكويت من امن السعودية” وأي اعتداء أو تهديد تتعرض لها واحدة من دول المجلس هو اعتداء على الكويت، وما مشاركتها في “عاصفة الحزم” إلا دفاعا عن أمنها الوطني من خلال صيانة الامن الاقليمي بالتصدي الشجاع الذي يقوده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لمشاريع توسعية لقوى إقليمية تتخذ من اليمن بوابة لها. ما ورد في النطق السامي هو ما كان يعتمل في نفوس الكويتيين، وبوصلة تحدد الوجهة الصحيحة لطريق المستقبل في قضايانا الوطنية وعلاقاتنا الاقليمية. واليوم بات على الجميع، وخصوصا السلطة التشريعية العمل ضمن هذه التوجيهات، وعدم التأثر بطحالب تنمو في مستنقعات الأفكار الآسنة، لا هي من نسيجنا ولا تعبر عن ثقافتنا، فنهج الكويت التاريخي ترجمه أمس النطق السامي في أوضح مظاهره، وأزال الغشاوة عن الأبصار ولم تعد هناك أي اعذار تمنع خروج الكويت من انتكاستها التنموية والاقتصادية.