في الرابع والعشرين من نوفمبر الجاري، حلت الذكرى الـ50 على وفاة الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح، أحد أبرز رجالات الكويت في القرن الماضي الذي أرسى الدعائم الرئيسية للدولة الدستورية الحديثة حتى أطلق عليه لقب «أبوالدستور».
وحمل يوم الـ 24 من نوفمبر 1965 خبرا محزنا لأبناء الكويت حين ورد إلى أسماعهم نبأ وفاة الشيخ عبدالله السالم الصباح الحاكم اـل11 للكويت عن عمر ناهز 70 عاما، بعدما شهدت فترة حكمه الممتدة بين عامي 1950 و 1965 انجازات بارزة في وضع أسس دولة الكويت الحديثة وفق معايير دستورية.
والشيخ عبدالله السالم من مواليد عام 1895، وتلقى تعليمه في الكويت، وعرف عنه محبته للعلم والأدب والتاريخ، وبدأ الراحل حياته العملية مع العمل الوطني في عهد الشيخ أحمد الجابر، حين تولى رعاية شؤون البلاد الإدارية والمالية وأسندت إليه رئاسة المجلس التشريعي عامي 1938 و1939، كما تولى رئاسة البلدية ودائرة الصحة ودائرة الأيتام.
وفي 25 فبراير 1950 تولى الشيخ عبدالله السالم مقاليد الحكم في البلاد بعد وفاة الشيخ أحمد الجابر الصباح الحاكم العاشر للبلاد لتدخل الكويت مرحلة جديدة نحو الدولة الحديثة، فقد تميز عهده بالانفتاح السياسي والثقافي والاقتصادي على العالم الخارجي من خلال تعزيز العلاقات التي تربط الكويت بالدول الأخرى، لاسيما العربية.
وبدأ تحول الكويت من إمارة إلى دولة مستقلة كاملة السيادة في 19 يونيو عام 1961 حين أبرم الشيخ عبدالله السالم معاهدة الاستقلال، التي بموجبها ألغيت اتفاقية الحماية التي كانت قائمة بين الكويت وبريطانيا منذ عام 1899، واستبدلها بمعاهدة تعاون وصداقة فكان الشيخ عبدالله السالم «أبو الاستقلال» أيضا.
وفي يوم إعلان الاستقلال، ألقى الأمير الراحل كلمة وجهها إلى الكويتيين قال فيها: شعبي العزيز… إخواني وأبنائي «في هذا اليوم الأغر من أيام وطننا المحبوب في هذا اليوم الذي ننتقل فيه من مرحلة إلى مرحلة أخرى من مراحل التاريخ، ونطوي صفحة من الماضي بكل ما تحمله وما انطوت عليه لنفتح صفحة جديدة تتمثل فى هذه الاتفاقية التي تقرؤونها، الآن والتي نالت بموجبها الكويت استقلالها التام وسيادتها الكاملة». وأضاف «في هذا اليوم والسرور يملأ الجوانح والابتسامات المشرقة تعلو الوجوه نرفع ابصارنا بخشوع إلى المولى عز وجل لنحمده سبحانه ونشكره على ما وفقنا اليه وأنعم علينا به، ولقد كان التعاون الوثيق بين الحكومة ممثلة في المسؤولين من أبناء الأسرة الحاكمة، وبين الشعب المخلص من المغزى الجميل، ما أشاع الغبطة والاستحسان في نفسي وجعلني أتمنى استمرار مثل هذا التعاون لخير بلدنا ودوام تقدمه وازدهاره».
وفي سبتمبر من العام نفسه، تم تبديل علم الكويت السابق باللون الأحمر إلى العلم الوطني رباعي الألوان، وقد رفع على قصر السيف والمباني الحكومية في صبيحة يوم 24 نوفمبر عام 1961.
وعقب الاستقلال انضمت الكويت إلى جامعة الدول العربية عام 1961 وإلى منظمة الأمم المتحدة عام 1963 لتصبح العضو الحادي عشر بعد المائة في تلك المنظمة الدولية.
وعرف عن الشيخ عبدالله السالم إيمانه بوحدة العالمين العربي والإسلامي، وترجم ذلك في عهده من خلال إنشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية في نهاية ديسمبر عام 1961 لمساعدة البلدان العربية والإسلامية وأيضا الدول النامية.
ولعل من أبرز انجازات الشيخ عبدالله السالم إنشاء المجلس التأسيسي لوضع دستور للبلاد، حيث عهد إليه تشكيل لجنة صياغة الدستور وفي 26 أغسطس عام 1961 صدر المرسوم الأميري الداعي إلى إجراء انتخابات عامة لتشكيل مجلس تأسيسي يتولى إعداد دستور البلاد.
وشهد يوم 24 أكتوبر 1965 بداية المرض الأخير في حياة الشيخ عبدالله السالم فخلال حضور سموه لافتتاح دور الانعقاد العادي الرابع لمجلس الأمة الأول، وبينما كان يستمع لخطاب رئيس الوزراء آنذاك الشيخ صباح السالم الصباح، شعر سموه ببعض الآلام في صدره وتحامل على نفسه بعض الشيء، لكن مع اشتداد الألم توجه إلى قاعة استراحة المجلس، حيث خضع لبعض الفحوصات الطبية ثم نقل إلى المستشفى الأميري لمتابعة علاجه حتى وافته المنية يوم الأربعاء 24 نوفمبر 1965.
وفي ذكرى مرور نصف قرن على رحيل «أبو الدستور» و«أبو الإستقلال» لا تزال كلمة الشيخ عبدالله السالم ماثلة وحية في وجدان أهل الكويت حين قال إن «ثروة الكويت ملك للشعب وأنا حارسها».