تحل الذكرى المئوية لوفاة الشيخ مبارك الصباح (مبارك الكبير) الذي ترك بصمات راسخة في تاريخ الكويت الحديث حيث وضع الأساس لبناء دولة ونهضة شعب.
ويعد الشيخ مبارك الصباح – الحاكم السابع للبلاد – مؤسس دولة الكويت بالمفهوم المعاصر، حيث قام خلال فترة حكمه الممتدة بين عامي 1896 و 1915 بأدوار بارزة في استقلال البلاد وحمايتها من أطماع القوى السياسية الكبرى في المنطقة، وعرف عنه بأنه شخصية فاعلة في الكويت والمنطقة عموما، من خلال تعاطيه مع مجريات الأحداث.
وتميز الراحل بصفات قيادية كالشجاعة والكرم والفروسية وسرعة اتخاذ القرارات الحاسمة التي أدت إلى سطوع نجمه كأبرز الشخصيات الحاكمة في منطقة الخليج العربي، ولقب على أثر ذلك بـ «أسد الجزيرة».
ونتيجة لدوره السياسي وصفاته المميزة أصبح الشيخ مبارك مادة خصبة وثرية لكثير من الكتاب، كما تناولت أقلام الباحثين والمؤرخين في مؤلفاتهم التاريخية حياة هذه الشخصية المميزة.
وفي هذا الصدد قال الدكتور الهولندي «ب.ج. سلوت»، في كتاب «مبارك الصباح مؤسس الكويت الحديثة»: إن الشيخ مبارك استطاع بفضل سياسته الحكيمة أن يتخطى المشاريع الاستعمارية بنجاح، وأن يسير بالكويت إلى بر الأمان.
تولى الشيخ مبارك الصباح سدة الإمارة خلفا لأخيه الشيخ محمد بن صباح الصباح، في الوقت الذي ازدادت فيه طموحات العثمانيين وتطلعاتهم نحو الكويت، إلا أن الشيخ مبارك أخذ يتعامل ببراعة مع العثمانيين بوسائل متعددة.
وفي بدايات القرن الماضي شهدت البلاد عدة معارك ضد بعض القبائل فقد خاض الشيخ مبارك معركة الرخيمة عام 1901، وأرسل جيشا بقيادة أخيه الشيخ حمود الصباح وابنه الشيخ سالم المبارك الصباح إلى الرخيمة، بعد أن تعرضت الكويت لغارات من قبيلة شمر واستطاع الجيش الكويتي أن يحقق النصر في المعركة.
وفي العام نفسه قاد الشيخ مبارك الصباح حملة عسكرية برفقة عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود وبعض أمراء بريدة وعنيزة وزعماء البوادي لغزو عاصمة دولة «آل رشيد – حائل»، فوقعت معركة الصريف في 17 مارس وانتصرت قوات ابن رشيد. وشهد عام 1910 اندلاع معركة هدية وكان جيش الكويت تحت قيادة الشيخ جابر المبارك الصباح وعبدالعزيز بن سعود أمام جيش المنتفق (ابن سعدون) وقد تلقى الجيش الكويتي هزيمة إلا أن الشيخ مبارك الصباح خطط لرد الاعتبار فأرسل جيشا يقوده الشيخ جابر المبارك الصباح، واستطاع أن يغير على قبيلة الظفير ويستولي على الكثير من الإبل.
وسعى الشيخ مبارك الصباح إلى اثبات عدم تبعية الكويت للدولة العثمانية ففي عام 1914 خصص علما جديدا بدلا من العلم العثماني، وذلك بعد مناقشات حول العلم الذي سيخلف العلم العثماني بعد معاهدة مع البريطانيين فكان أحمر اللون، وفي وسطه كلمة «كويت»، وكانت له ثلاثة أشكال هي المثلث للإمارة والمربع للدوائر الحكومية والمستطيل للسفن، وأُدخلت على ذلك العلم تعديلات طفيفة، واستمر حتى عام 1961.
وفي هذا الصدد قالت الأستاذة في قسم التاريخ بكلية الآداب في جامعة الكويت الدكتورة حياة الحجي، خلال مؤتمر «مبارك الكبير.. مؤسس الدولة الحديثة» ان حكم الشيخ مبارك تميز بسياسة التفعيل الشامل بين استراتيجية التفكير واستراتيجية الواقع.
وأضافت ان هذه الاستراتيجية لا تتأتى إلا لمن يملك فكرا سياسيا طموحا «وهو السبب الذي من خلاله استطاعت الكويت رغم وضعها الجغرافي والتاريخي بين ثلاث قوى كبيرة في ذلك الوقت أن تستمر شامخة ولاتزال إلى يومنا هذا».
وازدهرت الكويت تجاريا في عهد الشيخ مبارك الصباح الذي شجع التجار الكويتيين على فتح مكاتب استيراد وتصدير في الخارج، مثل كراتشي وبومباي وكالكوتا وبور بندر وبروال وكوة وهي مناطق تقع في الهند وباكستان حاليا.
وفي عهده أيضا تم إنشاء أول مدرسة نظامية في الكويت عام 1912، وسميت بالمدرسة المباركية نسبة إلى اسمه، وكان أول مدير لها هو الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، واستمر التدريس فيها حتى عام 1985.
كما شيد أول مستشفى في البلاد في عهده وهو المستشفى الأمريكاني من قبل الإرسالية الأميركية، فكان أول مبنى في الكويت يشيد بالأسمنت والحديد، وقدم العديد من الخدمات الطبية لعقود من الزمن، وعولج فيه حتى عام 1924 خمسة آلاف شخص. ونظرا لإنجازات الشيخ مبارك الصباح، فقد سميت العديد من الأماكن باسمه، مثل سوق المباركية ومحافظة مبارك الكبير، آخر محافظة من حيث التأسيس، حيث صدر المرسوم بإنشائها بتاريخ 27 نوفمبر 1999، وكذلك مشروع ميناء مبارك الكبير – قيد الإنشاء – الذي يقع شرق جزيرة بوبيان، وسيكون من أكبر الموانئ في الخليج العربي، كما تم افتتاح مستشفى يحمل اسم مبارك الكبير عام 1982 في منطقة الجابرية.