عممت وزارة الشؤون قرار بدء تطبيق نظام البصمة بشكل فعلي، كإثبات للحضور والانصراف، اعتبارا من بداية فبراير المقبل، تطبيقا لقرار مجلس الخدمة المدنية، حيث يترتب على عدم الالتزام بالنظام الخصم من الراتب.
وأشار التعميم إلى انه يسمح للموظفين بإثبات حضورهم بالتوقيع بجهاز البصمة خلال ثلاثين دقيقة بعد بداية الوقت المحدد للعمل، ومن لم يوقع يعتبر متأخرا على أن تحسب مدة التأخير من نهاية فترة السماح، كما ينطبق ذلك على الفترة المسائية مع تكييفها وقتيا.
وتعليقا على هذا القرار قال الكاتب الصحافي والخبير التربوي د. يعقوب الشراح إن هذا التعميم من شأنه أن يقود إلى إنجاز لكن في الوقت نفسه هناك عوامل أخرى تتحكم في الإنجاز وليس الدوام فقط، مشيرا إلى أن هناك قضية أخرى لا تقل أهمية عند التزام الموظف بالدوام ألا وهي شعور الموظف بالمسؤولية تجاه عمله، وهذا الشعور يرسخ مفاهيم العمل الحقيقي في نفوس من يعملون في المؤسسة، كما أنه يجب أن يتم توظيف الشباب وفقا لتخصصاتهم؛ فمن غير المعقول أن يكون هناك إنسان في تخصص غير تخصصه ونريده أن يبدع أو أن يتقدم في العمل.
وأوضح الشراح أن القوى العاملة في الدولة تحتاج إلى إعادة هيكلة، سواء أكانوا مواطنين أو وافدين، وبالتالي فالأيدي العاملة أعدادها تفوق بكثير مؤسسات الدولة؛ لذا تجد أن هناك قوى عاملة في الدولة ليس لديها أي عمل، فهي عمالة مقنعة لا تعمل، ولكنها في نفس الوقت محسوبة على الدولة لأنها فوق احتياجات الدولة ومن الطبيعي حينما يشعر الموظف بأنه لا يقدم شيئا لمؤسسته ولا تعطى له مهام محددة فبطبيعة الحال نجد أن هذا الإنسان سيهمل ويقصر في عمله، بل وسيؤثر في العاملين الموجودين من حوله، وهذه التأثيرات ستكون كبيرة بسبب وجود البطالة المقنعة التي يجب على مؤسسات الدولة محاربتها.
وأكد الشراح أن هذا الأمر يأتي نتيجة عدم تحديد الاختصاصات، فأغلبية الموظفين يعملون في أماكن لم يتخصصوا فيها فنجد الطالب الذي تخرج في كلية العلوم السياسية يعمل في وزارة الإعلام، ونجد من درس في كلية العلوم يعمل في مجال الإدارة… وهكذا، وهذا الأمر يخالف النظام الطبيعي لمخرجات العملية التعليمية، ما يعني أن مخرجات التعليم ليس لها بالأيدي العاملة في الدولة فليس هناك تناسق وتناغم بين الجامعات وقطاع التخطيط في الدولة لمعرفة الاحتياجات الفعلية التي تحتاج إليها الدولة، إذ إن كل طرف يعمل في جانب والشباب يتخرج في الجامعات ويبحث بعد ذلك عن العمل الحكومي؛ لأن القطاع الخاص لديه مشاكله الخاصة، فالإنسان دائما ما يبحث عن الأمن الوظيفي، والأمن الوظيفي غير متوافر في القطاع الخاص.
وأوضح الشراح أن القطاع الخاص يعتمد اعتمادا كبيرا على الحكومة في مشاريعه، فإذا لم تقدم له الحكومة المشاريع فلن يكون لديه موظفون، فالمسألة عبارة عن دائرة، مشيرا إلى أن المسألة لا تتعلق بمدة الدوام أو دوام الموظف كاملا أو لم يذهب أو تتعلق بالبصمة بالفعل الموظف إذا قام بهذه الأمور من الممكن أن يقدم انجازا لكن في نفس الوقت هناك عوامل أخرى كثيرة يجب النظر إليها فليست مسألة الدوام وحدها هي التي تؤثر على إنتاجية الموظف، على الرغم من أن الالتزام في الدوام هو أصل يجب أن تتابع المؤسسة التزام الموظف وانجازه، وتجب مكافأة من يقوم بالإنجاز ويعاقب من يقوم بالتقصير وهذه آلية جيدة لمعرفة المقصر، فاستخدام الثواب والعقاب أمر ضروري.
وأكد الشراح أن الجوانب النفسية أيضا لها تأثير كبير على طبيعة العمل فمن الممكن أن تحدث أعمال استفزازية وتحدث مشاجرات بسبب الفراغ الموجود في أماكن العمل المختلفة، فهناك بعض المؤسسات التي تطلب من الموظفين الذين لا عمل لهم في المؤسسات أن يجلسوا في بيوتهم منعا للمشاكل التي من الممكن أن يقوموا بها في مؤسساتهم، وذلك بسبب وجود العديد من المشاكل التي تأتي من الفراغ الوظيفي.
ومن ناحيتها قالت التربوية د. رباح النجادة إن الأصل في أي عملية وظيفية هو التزام الموظف بالدوام وبالفعل لو التزم الموظف بالدوام والعمل فسنرى انجازا كبيرا في مؤسسات الدولة، لكن هناك من يقوم بالبصمة ويخرج من المؤسسة التي يعمل بها ثم يعود عند نهاية الدوام ليبصم مرة أخر، ومما لا شك فيه أن هذا الأمر يسبب تأخر في العمل فهناك حاجة ملحة إلى تصحيح المسار لكل مؤسسات الدولة، وذلك من خلال وضع أيدينا على الخلل.
وأكدت النجادة أن الإدارة الناجحة هي من تجعل من الإنتاجية والتحفيز على العمل والإنجاز هي الدافع على الحضور إلى العمل، الإدارة الناجحة هي التي تخلق علاقة حب بين الموظف وبيئة عمله، يستشعر فيها الموظف معاني عدالة التقييم والمساواة في الثواب العقاب وخلق الحوافز لزيادة الإنجاز وتحقيق الانتاجية الحقيقية.
وأشارت النجادة إلى أن هناك إشكالية كبرى تكمن في أنه في نهاية العام نجد أن تقدير جميع الموظفين أو 90 في المائة منهم يأخذون درجة ممتاز على الأعمال، في حين نجد أن هناك خللا كبيرا في تلك المؤسسات، فتجد أن هناك من لا يلتزم بالدوام، وهناك من لا يلتزم بطبيعة العمل، لذا أعتقد أن هناك حاجة ملحة إلى تطبيق مبدأ الثواب والعقاب في الالتزام والانتاجية فالقضية ليست دوام فقط، على الرغم من أهميته وضرورة الالتزام به، ولكن أيضا هناك قضية انتاجية الموظف، فالموظف لم يأت إلى المؤسسة ليجلس على المكتب فقط، بل لا بد أن يجتهد ويعمل من أجل أن ينال الدرجة التي يستحقها.
ويرى استاذ علم النفس د. جميل المري أن البطالة المقنعة في الاجهزة الحكومية وصلت إلى حدود غير مقبولة على الاطلاق، حيث تتكدس اعداد كبيرة جدا من الموظفين في عمل يمكن ان يقوم به عدد من الموظفين لا يزيد على عدد اصابع اليد الواحدة، ما يستدعي تغيير النظرة الاجتماعية للعمل في القطاع الحكومي الذي اصبح لا يتحمل اكثر من ذلك.
وذكر د. المري ان عملية التكدس المبالغ فيها في القطاع الحكومي لها سلبيات عديدة، ابرزها ان الموظف الذي يريد التفوق سوف تنتابه حالة من الخمول نظرا لكثرة الذين يقومون بنفس وظيفته.
وأوضح ان نظرة المجتمع تجاه القطاع الخاص عندما تكون ايجابية فهذا الامر سوف يشجع على اتجاه الشباب نحو العمل بهذا القطاع، وعلى السلطتين التنفيذية والتشريعية ايجاد مخرج لحل أزمة البطالة المقنعة المتفاقمة في البلاد.