تشير الإحصاءات إلى أن ما تخلفه حوادث الانهيارات في مواقع العمل هي الأكثر خطورة فيما ينتج عنها من أضرار سواء في الارواح أو في الممتلكات، لذا كان من مقتضيات المصلحة العامة إعداد خطة للسلامة تشمل الحفاظ على العاملين والمنشآت على حد سواء، عبر مراعاة وسائل وشروط الأمن والسلامة لتوفير الحماية اللازمة للعمال والحفاظ على المباني من أي أضرار نتيجة عدم التقيد بالمواصفات المقررة أو نوعية وجودة المواد الانشائية المستخدمة في تلك المباني.
ولعل الانهيار الأخير الذي حدث في إحدى المدارس قيد الإنشاء في مدينة صباح الأحمد أثناء قيام العمال بآخر عملية صب لخرسانة ديكور الجسور السقفية لصالة الاستخدامات التربوية، وأسفر عن إصابة ما يقارب 24 شخصا منهم 4 في حالة خطرة، لعله مثال واضح على حجم ما تخلفه هذه الأخطاء الإنشائية التي تكون بلا شك ناتجة عن عدم التقيد بالقواعد الأساسية للبناء أو إهمال فحص المواد الإنشائية المستخدمة في عملية بناء تلك المنشآت.
وعلى خلفية ذلك الحادث، شكل وزير الدولة لشؤون الإسكان ياسر أبل لجنة تضم عددا من المسؤولين والمهندسين من المؤسسة العامة للرعاية السكنية ووزارة الأشغال للتحقيق فيه مع تكليفها بمتابعة كافة الأعمال التي تخص المباني العامة لضمان سلامتها وعدم تكرار مثل هذه الحوادث والأخطاء الإنشائية في المشاريع الجاري تنفيذها.
وفي ظل هذا التكرار المؤلم والمؤسف في آن واحد، تطل تساؤلات عدة برأسها لتحديد أسباب هذه الحوادث، فهل كان للابتعاد عن المعايير الإنشائية كعدم ملاءمة التصميم الإنشائي والمعماري وإهمال المسؤول عن التنفيذ أو المصمم إتمام التصميم بشكل كلي أو جزئي دور في تلك الكوارث؟ هل تم إهمال النسب المعيارية للخلطة الخرسانية وعمل اختبارات للمواد المستخدمة في تكوينها؟ هل ثمة حساب خاطئ للأحمال أو انعدام خبرة وقلة مهارة لدى العمالة القائمة على تنفيذ الأعمال؟
ووسط تلك التساؤلات تبرز دعوات من المتخصصين إلى تشديد الرقابة على الجهات المنفذة للمشروعات، وتطوير التشريعات ذات الصلة لتضمن سير العمل الإنشائي وفق الاطر التي رسمت له دون مخالفات تهدد حياة البشر وتؤخر إنجاز المشروعات في إطارها الزمني المحدد.
وفي هذا السياق، دعا عضو المجلس البلدي الدكتور حسن كمال إلى أن «تعمل البلدية على تطوير لوائح البناء وتشديد الرقابة عليها للإسهام في الحد من تلك الحوادث التي تتكرر بين الوقت والآخر»، مؤكدا أن «البلدية لا تتابع خطوات ومراحل البناء في المشاريع الإنشائية».
وأعرب عن أمله أن «تعتمد البلدية خطوات البناء ووضع برنامج للأمن والسلامة أثناء إصدارها لتراخيص البناء، والتأكد من متابعة ذلك في مراحل التنفيذ»، مشددا على أهمية «التزام المكاتب الإشرافية في الرقابة والتشديد على المقاولين وإلزامهم بالتقيد في اشتراطات التنفيذ والبناء واعتماد أنظمة الأمن والسلامة للحفاظ على العاملين في المواقع والمنشآت من أي أضرار قد تحدث نتيجة الاخلال بتك الضوابط».
وأشار كمال إلى أن «هذه النوعية من الحوادث تكون نتاج أسباب عدة ولا يمكن حصرها في سبب معين»، مبينا أن «الانهيارات تكون نتيجة خلل في التصميم وهو أمر تتحمله مكاتب التصميم الهندسي او قلة مهارة العمال وقلة المتابعة والاشراف من المكاتب الاشرافية المسؤولة عن تلك المشاريع».
بدوره، أرجع رئيس اتحاد المكاتب الهندسية والدور الاستشارية الكويتية بدر السلمان أسباب انهيار بعض المباني تحت الإنشاء إلى «عدم وجود مكاتب إشراف محلية تقوم بمتابعة تلك المشاريع والإشراف عليها واعتماد بعض الجهات الحكومية المنفذة فقط على جهازها دون تكليف المكاتب الاستشارية المحلية».
وأشار إلى «ضرورة مراجعة قرارات مجلس الوزراء التي تم بموجبها استثناء بعض الجهات الحكومية للقيام بأعمال التصميم والتنفيذ والإشراف على مشاريعها من خلال أجهزتها وعدم الاعتماد على مؤسسات القطاع الخاص»، مؤكدا أهمية «إشراف المكاتب المحلية على المشاريع، لاسيما وأن هناك قانونا يحكمها في حال حدوث أي خلل في المشاريع على عكس الأمر في حال كانت الجهة تعتمد على مهندسيها».
كما سبق أن بين رئيس جمعية المهندسين، رئيس لجنة مزاولة المهنة المهندس سعد المحيلبي أن الجمعية ستخاطب وزير البلدية لإقرار تشديد العقوبات على المخالفين في عمليات السلامة بمواقع المشاريع.
وقال المحيلبي: «إن استمرار التهاون في تطبيق هذه الاشتراطات التي اوقعت عددا من الضحايا في حوادث سابقة لم يعد أمرا مقبولا»، مناشدا الجهات المعنية في بلدية الكويت ووزارة الاشغال والجهات الأخرى «تنفيذ العقوبات التي يوقعها القانون والقرارات المعنية على المخالفين».