في الذكرى السنوية الأولى لرحيله، يحق لنا أن نتساءل: لماذا ظل الراحل العزيز جاسم الخرافي ملء السمع والبصر، في حياته، وحتى بعد رحيله، فلم يغب يوما عن أسماع وأبصار وقلوب الكويتيين؟
ولعل الإجابة التي تتبادر إلى الذهن عن هذا التساؤل، هي أن جاسم الخرافي لم يكن يعرف لنفسه وجهة إلا الكويت.. فلم يره أحد أو يسمعه يوما موليا وجهه شطر حزب أو قبيلة أو طائفة أو فئة بعينها، أيا كان مسماها. كانت الكويت هي همه الوحيد، وانحيازه الدائم، وانشغاله الذي لا يعرف سواه.
وعلى الرغم من أن مجالس الأمة التي تولى رئاستها، كانت تضم كثيرا من النواب من أصحاب الضجيج والصوت العالي، الكفيل بإفساد أي عمل برلماني، وإدخاله في متاهات التأزيم والاحتقان السياسيين، فإنه استطاع بمهارة وحنكة شديدتين أن يقود زمام العمل البرلماني، ويوجه دفته نحو الإنجاز التشريعي والرقابي، وأن يحمي المجلس من «الاختطاف» نحو وجهة معينة، ونجح في ذلك نجاحا يحسب له. وقد كنا نراه موضع احترام وتقدير كل أعضاء المجلس، حتى أولئك المختلفين معه، لأنهم كانوا يرونه دائما عادلا ومنصفا، يعطي كل ذي حق حقه، ولا يجور على أحد أو يحرمه من ممارسة كل حقوقه الدستورية، حتى لو كان مختلفا تماما مع توجهاته السياسية، وغير مقتنع بها.
ولسنا ننسى للراحل العزيز الخرافي أيضا مواقفه المشهودة، في المحافل البرلمانية الإقليمية والدولية، والتي شهدت منابرها دفاعه البليغ والقوي عن حقوق الكويت والأمة العربية، ودفاعه كذلك عن حقوق الشعب الفلسطيني، وعن المظلومين في كل أرض.
لقد كان جاسم الخرافي نموذجا فذا وأصيلا للإنسان الكويتي، الذي يؤمن بمقولة «ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط».. فقد كان بإمكانه أن يعيش مستمتعا بحياته، وبما آتاه الله من نعمة، يجوب أنحاء الدنيا، ويهنأ بالعيش فيها، بعيدا عن منغصات السياسة، وكم نصحه الناصحون بذلك، لكنه كان أيضا مؤمنا بالتوجيه النبوي العظيم، الذي يعلم الإنسان المسلم أن «من يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم»، وأن الاختبار الحقيقي لإنسانية الإنسان، ولمبادئه وقيمه الدينية والوطنية، هو في مخالطة الناس، وحمل همومهم، والسعي في قضاء حوائجهم، حتى لو تحمل في سبيل ذلك الكثير من الأذى، وناله الكثير من الضرر، وهو ميراث أصيل في أسرته، ورثه عن آبائه وأجداده، لم يكن بإمكانه التضحية به، أو التخلي عنه.
لذلك ظل جاسم الخرافي منحازا إلى هذا الخيار، خيار النزول إلى معترك الحياة بكل قوتها وعنفوانها، رافضا الانعزال أو النأي بنفسه عن القضايا والهموم، وظل لآخر يوم في حياته ـ حتى بعد تركه منصبه مختارا ـ حريصا على أن يقدم لوطنه ومواطنيه ما يستطيع من جهد دؤوب، ونصح مخلص، ومشورة حكيمة، وسيظل ذلك كله في ميراثه المضيء، يذكره له تاريخ الكويت بأحرف من نور، ويتذكره شعبها بالخير كله، موقنا بأنه صاحب السيرة العطرة، والفارس النبيل الذي كان يعامل الجميع بالعدل والسوية، وبالحب أيضا، بمن في ذلك خصومه السياسيون.
من هنا سيظل جاسم الخرافي حاضرا، رغم الغياب.
طبت حيا وميتا، يا أبا عبد المحسن، وجعل الله ذكراك نبراسا يضيء لكل الأجيال طريقها، نحو حب الكويت والتفاني في العمل من أجلها، ولتبقى دوما أفضل وأجمل الأوطان.