بعد إصدار سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد أمرا بتسمية سمو الشيخ جابر المبارك رئيسا لمجلس الوزراء، وتكليفه ترشيح أعضاء الحكومة، تترقب الأوساط الشعبية والقوى السياسية في البلاد ظهور ملامح السلطة التنفيذية الجديدة التي انطلق قطار تشكيلها.
يأتي ذلك وسط مطالبات نيابية وقوى سياسية بضرورة أن يأتي التشكيل الوزاري الجديد على قدر المسؤولية التي تتطلبها المرحلة الحالية، لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
وكان مجلس الوزراء وافق على مشروع مرسوم بدعوة مجلس الأمة الجديد للانعقاد للدور العادي الأول من الفصل التشريعي الخامس عشر يوم 11 ديسمبر المقبل، ورفعه إلى سمو الأمير.
ويعد تقديم الحكومة استقالتها إلى سمو الأمير إجراء دستوريا نص عليه الدستور في مادته الـ 57 بمجرد ظهور نتائج انتخابات مجلس الأمة رسميا.
وبحسب الدستور تقدم الحكومة بكامل أعضائها استقالتها إلى سمو الأمير عقب ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية، على أن تستمر في أعمالها إلى حين تكليف رئيس جديد للحكومة أو إعادة تكليف رئيس مجلس الوزراء بتشكيلها مع استمرار باقي الوزراء في مباشرة تصريف العاجل من شؤون مناصبهم، إلى حين تعيين خلف لكل منهم.
وقالت نخب نيابية وسياسية ان الكويت عامرة بالكفاءات التي تستطيع ترجمة الأفكار التنموية إلى إنتاج ملموس يستفيد منه المواطن الذي أصبح يائسا من دخله المحدود ومن استمرار التأزيم بين السلطتين والاستقالات المتكررة للحكومة في السنوات الأخيرة.
وطالبوا بتشكيل حكومي يجفف منابع الطائفية ويرخي سدول الصدام مع البرلمان ويتفرغ لمصلحة الكويت.
وشدوا على ان الكويت لا تنقصها الكفاءات القادرة على الأداء والأيادي النظيفة من الثقاة في المجتمع ولم يبق إلا حسن الاختيار الذي يجب أن يبتعد عن المحاصصة والترضيات القبلية والعشائرية والطائفية على ان تكون الكفاءة والمقدرة وحسن الأداء هو الفيصل في الاختيار، أما إذا لم نأخذ بكل هذه الاعتبارات في التشكيل الجديد «فلا طبنا ولا غدا الشر».
وإلى تفاصيل آراء النواب والسياسيين في التشكيل الحكومي المقبل:
طالب النائب صالح عاشور بتغيير جذري في التشكيلة الحكومية المقبلة، استجابة للتذمر الشعبي من الأداء الحكومي، مؤكدا أن «الخلاف ليس مع الشخوص فجميع الوزراء هم زملاء، ولكن خلافنا على نهج العمل وعموما الرسالة وصلت من خلال نتائج الانتخابات».
وقال عاشور ،بحسب «الراي»، إنه «من المفترض أن تكون الحكومة قرأت بعناية تركيبة المجلس الجديد، ولا ريب أن النتائج مؤشر على عدم وجود رضا شعبي من الناخبين على الأداء الحكومي»، داعيا الحكومة إلى ايجاد تصور للإصلاح السياسي والاقتصادي.
ودعا الحكومة إلى ابداء الرغبة الجدية في الإصلاح من خلال رؤى يستشعرها المواطن، مقترحا إعادة النظر في النهج الاقتصادي من خلال سلسلة اجراءات اقتصادية تتعلق بالهدر، وتكون البداية مع الهيئات الحكومية، إضافة إلى إعادة النظر في المنح والمساعدات الخارجية أو على أقل تقدير تأجيلها راهنا دعما للميزانية العامة. وفضل عاشور الترشح للجنتين المالية والصحية.
ومن جانبه أعرب النائب طلال الجلال عن خالص شكره لأبناء الدائرة الخامسة على ثقتهم الغالية، التي تعد وسام شرف على صدره، مشيرا إلى ان الشعب الكويتي بمشاركته الكبيرة في الانتخابات سطر ملحمة وطنية جديدة واكد مدى وعيه وحرصه على المشاركة في العملية الديموقراطية.
وتعهد الجلال في تصريح للصحافيين على هامش استقباله المهنئين بفوزه في الانتخابات البرلمانية بمواصلة العمل من أجل تحقيق ما يصبو اليه المواطن، مشيرا إلى ان باب ديوانه كما عاهده أبناء الدائرة سيظل مفتوحا مرحبا بهم، وفي خدمتهم بأي وقت.
وطالب الجلال المجلس المنتخب برد الجميل للشعب الكويتي، من خلال التركيز في هذه الفترة على تحقيق انجازات ملموسة على أرض الواقع تحقق آمال المواطنين وتطلعاتهم.
وأكد على «ضرورة ان تضم الحكومة الجديدة وزراء تكنوقراط ورجال دولة وان تكون بعيدة عن المحاصصة والترضيات في الاختيار، وان تكون قادرة على مواكبة انجازات المجلس الجديد».
وتابع ان «التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وان كان ضرورة لتحقيق الانجازات التشريعية، الا انه يبقى مرهونا بمدى قدرة الحكومة على تحسين المستوى المعيشي للمواطن وقدرتها على معالجة عجز الميزانية بعيدا عن جيب المواطن».
من جهته اكد النائب سعود الشويعر اهمية تلاقي التشكيل الحكومي المرتقب مع تطلعات المواطن الذي تجلت رغبته في يوم الاقتراع وجاء بثلة جديدة من النواب للحاملين برؤى اصلاحية جديدة.
وقال الشويعر في تصريح صحافي «اننا نأمل من الحكومة المقبلة السعي لتحسين دخل المواطن كما اننا على ثقة بقدرة رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ جابر المبارك على اختيار فريقه من الوزراء ذوي الكفاءة لخدمة الكويت وأهلها».
وأضاف أن «الحكومة المقبلة أمام تحديات كبيرة ولابد أن يكون الوزراء على قدر المسؤولية وعلى الحكومة المقبلة السعي لتحسين دخل المواطن والابتعاد عن السعي للضرر بمستوى الدخل المادي للمواطن البسيط»، معربا عن تطلعه لأن تكون المرحلة المقبلة مرحلة عمل حقيقي بعد أن قال الشعب كلمته واختار أعضاء البرلمان.
ودعا الشويعر إلى ضرورة التركيز على تحسين الخدمات ورفع مستوى كفاءة الوزارات والتعجيل بإنجازات الخدمات التي تهم المواطنين، واضعة نصب عينيها 3 ملفات رئيسية تتعلق بالصحة والتعليم والاسكان.
بدورها دعت النائبة صفاء الهاشم الحكومة إلى قراءة نتائج الانتخابات البرلمانية بشكل جيد وان «تعمل على إجراء تعديل جذري يتناغم مع مخرجاتها»، كاشفة عن نيتها الترشح لمنصب أمين سر مجلس الأمة إضافة إلى عضوية اللجنة المالية والميزانيات ولجنة المرأة التي تتمنى رئاستها خاصة أنها المرأة الوحيدة بالمجلس.
وقالت صفاء الهاشم: «أشكر المولى عز وجل على ما تفضل به علي من خيرات ونعم تجلت في نيلي ثقة الشعب الكويتي الوفي»، مؤكدة ان «شكر هذا الشعب لا يتم من خلال التصريح فقط وانا أحترام ذكاءه وصدق تمثيلة وايصال صوته».
وذكرت أن «التشكيلة البرلمانية بنسبة التغيير التي شهدتها تتطلب ان تأتي تشكيلة حكومية تحاكي هذا التغيير»، قائلة «أثق بأنني في الفترة المقبلة لن أسمع من أي وزير جملة: أنا كلي شوق للصعود إلى المنصة».
وشددت الهاشم على ضرورة أن يكون هناك «انسجام بين جميع الاطراف في الحكومة والمجلس خاصة أن المواطن محبط وحزين لذلك عمل على تغيير تركيبة المجلس السابق»، داعية إلى «عدم الاتيان بأجندات تحمل نفس الانتقام وتصفية الحسابات في تناول بعض القضايا كقضايا الجنسية والقوانين المسيئة كقانون العزل السياسي».
وكشفت انها ستتبنى توضيح من هو سيئ السمعة بشكل دقيق «لكي تتضح شروط الترشح وحتى لا يستخدم هذا الشرط ضد أي مواطن يرغب في الترشح للانتخابات البرلمانية»، مشيرة إلى أنها عانت الامرين في قرار شطبها من سجل المرشحين بسبب تغريدة لكن الشعب الكويتي رد إليها اعتبارها.
ودعت الهاشم إلى «الا تكون هناك مشاريع أزمة في التشكيلة الحكومية من خلال عودة الوزراء الذين عليهم ملاحظات وأولهم وزير الصحة»، مشددة على ضرورة «ألا تقدم الحكومة على اي خطوات ترشيد ومعالجة عجز الموازنة بالقفز المباشر على جيب المواطن».
ومن جهتها قالت الوزير والنائبة السابقة الدكتورة معصومة المبارك انه بغض النظر عن تشكيلة الحكومة القادمة فانه مطلوب من اعضاء المجلس ان يحرصوا على تعزيز التعاون مع السلطة التنفيذية بلا افراط او تفريط.
واوضحت ان التراخي غير مطلوب وكذلك التشدد لخلق اجواء تازيمية في المجتمع الكويتي الذي لم يعد يتحمل مثل هذه الازمات فهناك قضايا حقيقية تنتظر رؤية وتنفيذ سواء على مستوى الاصلاح السياسي او الاقتصادى.
وقالت «لا يمكن ان تتحقق هذه الطموحات ما لم تكن الحكومة متجانسة بحيث لا يكون هناك معارضة داخل الحكومة ومن لا يتفق مع التوجه العام للحكومة يجب ان يترك منصبه لمن يتفق معها
من جانبه، أكد مستشار جمعية الصحافيين الدكتور عايد المناع ان الحكومة الجديدة يجب ان تضم عددا من التكنوقراط، وتمثل نسبيا مختلف أطياف المجتمع سياسيا واجتماعيا، مؤكدا ان الأهم من هذا كله أن تقدم الحكومة برنامجا واضح المعالم تناقشه مع مجلس الأمة، ومن ثم تبدأ تنفيذه وأن تطلب من أعضاء البرلمان فرصة زمنية لبدء مشروعها على طريق التنفيذ.
ولفت المناع إلى ان المرحلة المقبلة تتطلب وزراء يستطيعون أن ينفذوا ذلك.
وقال: ان التشكيل الجديد ينبغي أن يحدث نقلة نوعية يشعر بها المواطن وحتى لو حدثت المساءلة البرلمانية فهي ليست حجة للتوقف عن تحريك عجلة التنمية.
وتمنى المناع من الحكومة الجديدة بالفعل أن تكمل فترتها الزمنية لتصل بالبلد إلى بر الأمان بعيدا عن التأزيم وإضاعة الوقت وأن تنقل الكويت نقلة نوعية ويحدث تقدم في قضايا الاسكان والصحة والتعليم.
ومن جهته اكد ناصر العبدلي رئيس الجمعية الكويتية لتنمية الديموقراطية ان البلاد في تصريحات صحفية سابقة ان هناك حاجة ماسة إلى حكومة قوية وجديدة في مكوناتها وقادرة على قيادة البلاد إلى شاطئ الامان والبدء في تنفيذ توجيهات سمو امير البلاد بتحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري يشار اليه بالبنان، موضحا ان التجارب السابقة في تشكيل الحكومة لم ترق إلى مستوى طموحات المواطنين.
وطالب العبدلي القوى السياسية التي ظلت طول الفترة الماضية توجه النقد للحكومة ولمشاريعها ولأدائها أن تتحمل مسؤولياتها، موضحا ان ترك تلك القوى لتنتقد بعيدا عن تحمل المسؤوليات يجعلها تتسابق لتوجيه النقد للحكومات دون ان يكون لها دور في الانجاز.
ولفت العبدلي إلى ان مصطلح وزراء التأزيم لم يعد موجودا الآن، فالوزراء الحاليون ليسوا وزراء تأزيم واذا كان هناك بعض الاخطاء فيمكن تداركها واصلاحها، مبينا ان من يعمل يخطئ ويصيب واضاف: اذا كانت هناك رغبة في اعادة اي من الوزراء السابقين ممن اطلق عليهم وزراء التأزيم، فهذا الامر يعطي مبررا لاخفاق الحكومة وفشلها، متسائلا لماذا تكتب نهاية الحكومة حتى قبل ان تقسم اليمين الدستورية.
واعرب العبدلي عن امله في ان تحظى البلاد بحكومة قادرة على تجاوز عنق الزجاجة و قابلة للاستمرار حتى نهاية الفصل التشريعي ، عن طريق تحصين الحكومة وليس تشكيلها على اسس قبلية او مذهبية او عائلية.
بدوره اعتبر أستاذ العلوم السياسية د. شملان العيسى ان الاصلاحات السياسية في الوقت الراهن جوهرها سيادة القانون وضمانات أكبر للحرية، وتقوية مشاركة الفعاليات السياسية والشؤون العامة، وسن قوانين لضمان الشفافية ومحاسبة الوزراء والنواب أنفسهم وقوانين للمعلومات توجب توفير حق الاطلاع عليها لمكافحة الفساد بشتى أنواعه والذي أصاب البرلمانات نفسها.
وأكد الشملان ان جوهر الاصلاح في تحويل المجتمع إلى دولة قانون يتمتع مواطنوها بالحرية المسؤولة، مشددا على استحالة تحقيق التنمية السياسية أو الاصلاح الديمقراطي بعيدا عن التنمية الشاملة اقتصاديا وإداريا وثقافيا واجتماعيا.
وأعرب العيسى عن ضرورة الأخذ بتجارب الدول الناجحة للأمم والشعوب الأخرى بما يناسب أوضاع كل دولة، وأهمية إدراك الظرف الموضوعي لكل دولة عربية منفردة في المجالات شتى، وذلك عند تقييم أو محاكمة تجربتنا في التنمية السياسية أو الاصلاح الديموقراطي.
وأشار العيسى إلى ضرورة رؤية المشهد من بعيد، حيث ان فساد البرلمانات هو انعكاس لفساد الشعوب، وغياب المساءلة هو سبب فساد الجانبين.