كلما انتصف شهر يناير من كل عام، استعاد الكويتيون ذكريات، بعضها لا شك مرير ويبعث على الأسى، وبعضها الآخر يثير في النفس مشاعر البهجة والاعتزاز بوطن رفض الاحتلال، واختار أن يقاوم وأن يدفع ثمن هذه المقاومة من دماء أبنائه، وأن يقبل بهذه التضحية الغالية، لأنه لا شيء أغلى أو أعز من تراب الوطن.
في مثل هذه الأيام من عام 1991، وبعد نحو ستة أشهر من الصبر واحتمال البعد عن الوطن، والتشتت في المنافي الإجبارية المختلفة، والتي فرضت على الكويتيين فرضا، وكفاح أبطال الكويت الصامدين في الداخل، بدأت الضربة الجوية لقوات التحالف التي احتشدت لنصرة الحق الكويتي، والتي شهدت آلاف الغارات على جيش الاحتلال، ومهدت الطريق للحرب البرية التي انتهت بإخراج الغزاة، وتحرير الكويت في السادس والعشرين من فبراير عام 1991.
وحين نستعيد هذه الذكريات، فإننا لا نستهدف الحديث عن الحرب بذاتها، بل لعل الكويت تكون من بين أكثر الدول كرها للحرب، وأكثرها دعوة لنشر السلام في ربوع العالم كله، لكن حرب العام 1991 فرضت علينا، ولم يكن منها بد، من أجل تحرير ترابنا الغالي.. غير أن هدفنا من استعادة هذه الذكريات هو أن نركز على أكثر من معنى وقيمة، فقد شهدت تلك الأيام أعلى درجات الاصطفاف الوطني بين الكويتيين، وسجلت أسمى معاني الانتماء، وحفرت في سجلات التاريخ أطهر وأنبل صفحات التضحيات.
لم يكن الكويتي وهو يدافع عن أرضه، ويذود عن وطنه، في الداخل أو الخارج، يسأل رفيقه عن مذهبه أو قبيلته أو منطقته، فقد امتزجت الدماء، وانصهر الجميع في بوتقة واحدة، ولم يعد لأحد منهم من غاية أو هدف، إلا تحرير وطنه واستعادته حرا كريما عزيزا.
هذا هو المعنى الكبير الذي نسعى إليه. وتلك هي القيمة الأغلى التي نريد أن نرسخها في نفوس أجيال اليوم والغد.
كما أننا نود أن نشير إلى أمر آخر لا يقل ذلك أهمية، إذ لا بد أن نتذكر أن عشرات الدول التي حشدت قواتها للدفاع عن الكويت، لم تفعل ذلك إلا لأن الكويت كانت سباقة بالخير، وكانت ولا تزال تمثل وجها مضيئا للإنسانية، ومن ثم اجتمعت الدنيا كلها للدفاع عنها وحمايتها، والمشاركة في تحريرها.
وستظل ذكريات تلك الأيام ملهمة بكل ما هو غال ورائع، لنا ولكل أجيال الكويت.