العقيدة المصرية الثابتة، التي يعلمها من في الداخل والخارج أنه لن يسمح لدولة أجنبية مهما كانت العلاقة معها طيبة أن تقيم قواعد عسكرية على الأراضي المصرية، فمصر دولة ذات سيادة ولا ولن تسمح أبدا لأحد أيا كان أن يكون له موطئ قدم على الأراضى المصرية.
ورغم أن هذه الحقيقة ظاهرة وواضحة للجميع ولا تقبل الشك ولا التأويل، لكن هناك من لا يريد أن يصدق ذلك، أو بمعنى أدق لم يجرب حتى لمرة واحدة معنى أن يكون لدولته سيادة على أراضيها، فمروجو هذه الشائعات يعانون دوما من عقدة نقص السيادة، فدولهم تقبع تحت سيطرة قواعد عسكرية أجنبية تتحكم في سياسات هذه الدولة، وتحركها كيفما تشاء، لذلك يتمنون أن تكون كل الدول في المنطقة منقوصة السيادة مثلهم، لذلك يرددون دوما الشائعات هنا وهناك حول مصر، لينفسوا عن عقدة تتحكم فيهم.
للأسف الشديد أصبحت بعض وكالات الأنباء العالمية إلى أسيرة لعقد هؤلاء، فحولت الشائعات إلى أخبار وتقارير تبث حتى يلتقطها الجهلة ويرددونها وكأنها الصدق المبين، دون أن يعلموا أن مصر ليست ضمن هذا النوع من الدول التي تقبل أن تتحول إلى قاعدة يمارس على أرضها الأجانب ما يريدون دون تدخل أو سيطرة من الدولة المصرية، فهؤلاء لا يدركون جيدا أن مصر رفضت منذ جلاء الاحتلال الإنجليزى في 1952 كل العروض التي قدمت لها بإنشاء قواعد أجنبية على أراضيها تحت دعاوت متعددة، منها حماية مصر، وإنشاء جبهة تحمى الشرق الأوسط من خطر الشيوعية السوفيتية، وغيرها من الحجج التى أطلقتها في حينها بريطانيا ومن خلفها الولايات المتحدة، وقتها رفضت مصر رغم الضغوط التي مورست ضدها، وكذلك العروض التى كانت تتلقاها القاهرة حينها من هذه الدول، كما رفضت مصر بعد ذلك طلبات أمريكية متكررة وأخرى روسية بإنشاء قواعد عسكرية على الأراضي المصرة، وظلت مصر على موقفها الرافض.
اليوم عاود مروجو الشائعات إلى سيرتها الأولى، فقبل شهرين تقريبا كانت الشائعات منطلقة من صحيفة «ازفيستيا» الروسية التي قالت إن موسكو تجري محادثات مع مصر حول استئجار منشآت عسكرية، من ضمنها قاعدة جوية في مدينة سيدي براني بمرسي مطروح، وأن القاعدة ستكون جاهزة للاستعمال بحلول عام 2019، وهو التقرير الكاذب الذي سارع المسؤولون الروس إلى نفيه لأنهم يدركون أكثر من غيرهم الرفض المصري القاطع لمجرد طرح هذه المسألة للنقاش.
ويبدو أن مروجي الشائعات لم يتعظوا من واقعة «ازفيستيا» الكاذبة، والتي حسمها الرئيس عبدالفتاح السيسي بقوله «هذا الخبر لا أساس له من الصحة.. لا قواعد عسكرية لروسيا أو غيرها في مصر.. يا جماعة مصر مش كده. ما كانتش كده في أي فترة ومش هتبقى كده»، فعادوا مرة أخرى، لأنهم هذه المرة عبر بوابة أخرى، وهي وكالة رويترز التي نشرت قبل يومين تقريرا كاذبا مثل كاتبه، قالت فيه إن روسيا نشرت فيما يبدو قوات خاصة في قاعدة جوية بغرب مصر قرب الحدود مع ليبيا، وهو التقرير الذى وصفه سيرجى لافروف، وزير الخارجية الروسي بأنه «مجرد إشاعات وتتنافي مع الحقيقة والواقع».
أتمنى أن يتعظ ناقصو السيادة من الواقعتين ويدركون جيدا أن مصر لم ولن تكون أبدا دولة قابلة للإيجار لمن يدفع أكثر أو لمن يقدم الحماية للحاكم.