لم تكن الرعاية الملكية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لمهرجان الملك عبدالعزيز للإبل الأولى ولن تكون الأخيرة من رجل الثقافة وداعم التراث ومؤسساته وصون مفرداته ومكوناته، كونه الوعاء الذي يقدم التاريخ من خلاله، وكونه النواة الحقيقية للثقافة الأصيلة، والمعاني المختزنة في ذاكرة المكان والإنسان السعودي.
وجاءت رعاية خادم الحرمين قبل الاحتفال بالتراث العالمي في يومه العالمي في 18 أبريل، ما يعكس العناية العالمية لهذه الرعاية الكريمة لنستذكر ونتذكر الدور السعودي في خدمة التراث الإنساني العالمي بخمسة مواقع تاريخية تضمها المملكة كانت آخرها الفنون الصخرية في حائل، الذي سجل في اليونيسكو عام 1426هـ /2015م .
فمنذ عام 1417هـ ودارة الملك عبدالعزيز؛ المؤسسة المعنية بالمحافظة على تاريخ المملكة وتراثها وجغرافيتها ومصادرها المختلفة، حيث لقيت الدعم والتوجيه والاهتمام برئاسة خادم الحرمين الشريفين، فانتقلت خلال عقدين من الزمن وبرعايته الضافية إلى مصاف المراكز العلمية ذات المواصفات العالمية، واشتركت معها في عضويات واتفاقات تفاهم علمية لخدمة التاريخ الوطني وتاريخ الجزيرة العربية والعالم العربي والإسلامي وهذا ما جعل التراث السعودي لا يزال جزءا من التاريخ وعلما لصيقا به، وللتاريخ فإن اهتمامه، بالتاريخ والتراث بصفة عامة ودارة الملك عبدالعزيز بصفة خاصة كان قبل ذلك بكثير، فقد رعى مناسبات علمية عدة وهيأ لها سبل التنفيذ لعل أهمها ندوة الرحلات إلى الجزيرة العربية.
وحين كان الملك سلمان بن عبدالعزيز، وليا للعهد، وجه عام 1435هـ/2014م الجهات ذات العلاقة في وزارة الدفاع بعدم إزالة أي مبنى أثري أو تراثي إلا بعد التنسيق مع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، ليتسنى التأكد من أهميته التاريخية والعمرانية، فكان قرارا حكيما وقف له التراثيون والمثقفون والمجتمع كافة وقفة إجلال وتقدير لبعده العميق في خدمة المآثر المعمارية والموروث المادي والشهود التاريخية، ما يدل على قيمة التراث في عقلية الملك سلمان بن عبدالعزيز الإدارية لشؤون الحكم وبناء استراتيجيات الوطن ومستقبله.
وتحتفظ ذاكرة التاريخ الوطني وسجلاته بما لقيته المخطوطات والوثائق التاريخية والمحتوى العلمي المكتوب والمنطوق في المحاضرات والندوات برصيد كبير وطويل من الرعاية الضافية والدعم العلمي بالتهيئة والتمكين لمؤسسات سعودية مختصة بالشأن التراثي والمسألة التاريخية من خادم الحرمين الشريفين، حتى بات من أهم الشخصيات البارزة في العالم لخدمة التراث الإسلامي والعربي، ونال على ذلك عددا من الشهادات الفخرية من جامعات عالمية.
واهتم خادم الحرمين الشريفين رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز بالإرث الكبير من المصادر التاريخية ففي عهده الميمون تم إنشاء مجمع الملك عبدالعزيز للمكتبات الوقفية الذي سيكون مآلا لكثير من المكتبات التاريخية ذات النوادر والمآثر الفكرية، وأبرزها مكتبة الملك عبدالعزيز بالمدينة المنورة التي تحتفظ بذخائر تراثية نادرة تعود إلى مئات السنين، ويعد هذا المجمع منعطفا مهما لحفظ الوقوفات المكتبية والاهتمام بصفة عامة بالوقف العلمي المدون، الذي أسند لدارة الملك عبدالعزيز الإشراف عليه.
كما أن مشروع ترميم المساجد التاريخية في الدرعية على حساب خادم الحرمين الشريفين الخاص يقدم أنموذجا عربيا وإسلاميا للاهتمام بالتراث الإسلامي المعماري والأثري والقيم المعنوية التي تصنعها مثل تلك الآثار العظيمة قيمة ودلالة.
في مسيرة دارة الملك عبدالعزيز تؤرخ رئاسة الملك سلمان بن عبدالعزيز لمجلس إدارتها مرحلة مهمة في اقتناء الموروث المدون من المخطوطات وأمهات الكتب الأصيلة والوثائق التاريخية وترميمها والعناية بها دوريا لإطالة عمرها في خدمة البحث العلمي، وإعادة طباعتها للمتون الفقهية والأسفار الكبرى، وإعادة تأهيل المخطوطات بطباعتها على صورة كتب يمكن تداولها بسهولة وأمان بين طلاب العلم وهواة القراءة التاريخية.