احيت الكويت الذكرى السنوية التاسعة لوفاة الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله، حيث ودعت الكويت رجلا من الطراز الفريد، كرّس حياته لخدمة الكويت وأهلها، فكان نعم الوالد والقائد، فبقي خالدا في ضمير بلده.
والشيخ سعد العبدالله هو الابن الأكبر للشيخ الراحل عبدالله السالم الذي يعرف بـ «أبو الاستقلال والدستور» وهو الحاكم الـ14 للكويت، وقد أسندت اليه ولاية العهد طوال فترة تولي المغفور له الشيخ جابر الأحمد مسند الإمارة منذ العام 1978 إلى العام 2006، بعد أن تدرج في العديد من المناصب العسكرية والسياسية في البلاد مثبتا من خلالها قدراته واخلاصه وحبه للكويت.
ولد المغفور له الشيخ سعد العبدالله عام 1930 وتلقى علومه في المدرسة المباركية، وعين عام 1949 في دائرة الشرطة العامة، ونظرا لكفاءته تم ايفاده الى المملكة المتحدة لدراسة علوم الشرطة في كلية (سانت هيرست) العسكرية، حيث مكث فيها أربع سنوات، قبل أن يعود عام 1954 متخرجا برتبة ضابط.
ويسجل تاريخ الكويت صفحات مشرقة من عطاء الأمير الراحل منذ اللحظات الأولى لاستقلال الكويت، حيث شارك في لجنة صياغة الدستور وواكب مسيرة النهضة الحديثة من خلال دوره المشهود في صناعة القرار السياسي في مجالي الأمن والدفاع.
وشغل الراحل منصب أول وزير للداخلية في 17 يناير 1962 بأول تشكيل وزاري بعد الدستور، ثم تولى منصب وزير الدفاع عام 1964 ليجمع بين المنصبين وشكل المجلس الأعلى للدفاع، وظل رئيسا للسلطة التنفيذية لمدة 25 سنة حيث تسلم رئاسة الحكومة في الفترة من 16 فبراير 1978 حتى 13 يوليو 2003 شكل خلالها عشر حكومات متعاقبة.
وترك الشيخ سعد العبدالله خلال توليه منصب ولاية العهد ورئاسة الحكومة، بصمات واضحة على صعيد كثير من التشريعات والقوانين الخاصة ببرامج الرعاية الإسكانية وتنمية العمالة الوطنية والنهضة العمرانية والاقتصادية، وعمل على زيادة الخدمات المقدمة للمواطنين من قبل كل الجهات، فضلا عن اعتنائه بدعم مؤسسات البحث العلمي والشؤون الثقافية والإعلام.
وفي 31 يناير العام 1978 بادر الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد، بتزكية الشيخ سعد العبدالله ليكون وليا للعهد، ثم صدر بعدها بأيام قليلة أمر أميري بتعيينه رئيسا لمجلس الوزراء، ليبدأ تشكيل أول وزارة يرأسها سموه في فبراير 1978.
وإثر تقلده ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء قام الراحل بزيارات رسمية لمختلف دول العالم، بدءا من دول الخليج الشقيقة ثم الدول العربية وانتهاء بالدول الأجنبية الصديقة، في مسعى لتعزيز مكانة الكويت على الخريطة الدولية.
وكان الراحل رجل مواقف وصاحب قرار، مدركا لمسؤولية القيادة، وذلك من خلال جميع الأحداث التي مرت بها الكويت، لاسيما بعد الاستقلال.
ومن أبرز تلك المواقف المشرفة التي سجلها التاريخ حين تعرضت الكويت عام 1961 لتهديدات حاكم العراق، آنذاك عبدالكريم قاسم واحتشدت جموع الكويتيين حول أمير البلاد حينها الشيخ عبدالله السالم، وفي مقدمهم الشيخ سعد العبدالله، الذي كان حريصا على الوقوف باستمرار إلى جوار أمير البلاد، لاسيما وأن أمن الدولة كان يقع ضمن مسؤوليات منصبه، كرئيس لدائرة الشرطة والأمن العام آنذاك.
واستمر سموه على هذا الدرب حتى كان يوم الثاني من أغسطس عام 1990، عندما تعرضت الكويت لأقسى محنة مرت عليها والمتمثلة في غزو قوات النظام الصدامي للبلاد، مستهدفين رأس الدولة وقائدها آنذاك سمو الشيخ جابر الأحمد، فكان الشيخ سعد العبدالله الدرع الحصينة لحماية أخيه أمير البلاد، وصاحب فكرة خروجه من الكويت الى المملكة العربية السعودية، لتبقى الشرعية وبالتالي تبقى الكويت.
ولم يكن مستغربا أن يطلق لقب «بطل التحرير» على الشيخ سعد، لدوره البارز في تحرير الكويت من الغزو العراقي الغاشم، فقد واصل سموه العمل الدؤوب على جميع المستويات الداخلية والخارجية، لحشد الشرعية الدولية من أجل تحقيق النصر وعودة الكويت الى أهلها حرة أبية.
وحتى يتم هذا الأمر قام سمو الشيخ سعد العبدالله بزيارات مكوكية للعديد من الدول الخليجية والعربية والأجنبية، حتى استطاع أن يشكل تحالفا عالميا غير مسبوق لنصرة الحق الكويتي، ودعم شرعيته.
وعلى الصعيد ذاته عمل سموه على دعم أهل الكويت الصامدين في الداخل معنويا وماديا فكانت خطاباته الموجهة اليهم تبث الحماس والأمل في قلوب أهل الكويت، الى جانب حرصه على إيصال المؤن والأموال الى شعبه في الداخل طوال فترة الاحتلال ليكون قادرا على الصمود في وجه العدوان.
وكان انعقاد المؤتمر الشعبي في جدة خلال الفترة من 13 إلى 15 أكتوبر من العام 1990 من أفكار سموه بعد زيارته للمملكة المتحدة ولقائه مع الكويتيين في لندن في شهر سبتمبر من العام ذاته، حيث شرع بعد العودة الى الطائف (مقر الحكومة الكويتية الموقتة) في التحضير لأعمال المؤتمر الذي شارك في فعالياته أكثر من 1200 شخصية كويتية تمثل مختلف القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحت رئاسته.
وألقى الأمير الراحل في افتتاح مؤتمر جدة كلمة مؤثرة كانت صرخة مدوية أطلقها أمام العالم بمختلف أدواته الإعلامية التي تغطي المؤتمر، مفادها أن الكويت التي تعرضت لعدوان غادر سوف تعود كما كانت حرة مستقلة أبية، بجهود أبنائها الذين هم على استعداد لبذل الغالي والنفيس من أجلها.
وبالفعل تحققت وعود سمو الشيخ سعد العبدالله وعادت للكويت حريتها وشرعيتها وتم تعيين سموه حاكما عرفيا على البلاد، حتى يتولى عملية ضبط الأمن وعودة الحياة الى مرافق الدولة في الأشهر الأولى من التحرير.
وبعد انتهاء فترة الحكم العرفي وعودة الشيخ جابر الأحمد الى البلاد، بدأ سمو الشيخ سعد العبدالله مرحلة الاشراف على عملية إعادة الاعمار، حيث عمل على سرعة إعادة الخدمات والمرافق وتوفير المواد التموينية وتنفيذ خطة إعادة الإعمار الطارئة والتعامل مع مشكلة إطفاء آبار النفط البالغ عددها 732 والتي أشعلها النظام العراقي قبل انسحابه وإزالة الألغام والمتفجرات التي زرعها على امتداد أرض الكويت.
كما أولى الشيخ سعد العبدالله طيب الله ثراه قضية الأسرى اهتماما خاصا كونها قضية الكويت الإنسانية الأولى، وكثف الجهود على جميع الصعد من أجل إطلاق سراحهم، إضافة إلى رعايته السامية لأهالي الأسرى والشهداء.
لذلك فإن الكويت لن تنسى هذا الرجل العظيم الذي بذل حياته لخدمة هذه الأرض وأهلها، فبادله الكويتيون الحب والوفاء حتى استحق أن يكون «الأمير الوالد» لأنه بحق والدُ الكويت.