أسرة الحكم في المملكة العربية السعودية ومنذ تأسيسها هذا الكيان، التزمت بعلاقات حسن الجوار لأشقائها والوقوف معهم في الشدائد والمحن ، ونحن في الكويت تحفل ذاكرتنا بمواقف لا تٌنسى للشقيقة الكبرى السعودية من أبرزها التصدي لأطماع الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم عام 1961، وإرسال المملكة وقتذاك، قوة مختلطة من مظليين ومدفعية ومدرعات تفعيلا لاتفاقية الدفاع المشترك بينها وبين الكويت الموقعة عام1948، ثم إبداء التدخل السريع عسكريا وسياسيا، إثر حادثة اعتداء قوة عراقية مكونة من كتيبة ثقيلة على مركز الصامتة الحدودي الواقع في الشمال الكويتي في سنة 1973 والتوغل ثلاثة كيلو مترات داخل اراضي الكويت والانسحاب في اليوم نفسه بعد إرسال تعزيزات من الجيش الكويتي، وتلقي إشارات من دول عدة لحماية السيادة الكويتية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
وتأتي كارثة الغزو الصدامي للكويت في الثاني من أغسطس لعام 1990، لتثبت أن الجار السعودي هو صمام الأمان للأمن الخليجي والراعي الرئيسي لحماية منظومة دول «مجلس التعاون» الخليجي من التهديدات والاعتداءات الخارجية.
ولن نسرد هنا ماذا فعلت السعودية لإعادة الحق لأهله، فالتاريخ الحديث يفيض بالشواهد والمآثر، ولن نسهب في ذكر لوحات التضحيات والمشاق والمكارم وحسن المعاملة والتفاعل الشعوري والمؤازرة المالية والمعنوية التي قدمتها القيادة السياسية السعودية الأصيلة وجيشها الباسل وشعبها الوفي للشعب الكويتي سواء من كان يرزح تحت الاحتلال أو من احتضنته الأرض السعودية ، ولا بد ألا يفوتنا أن نشير إلى حرص السعودية على استتباب الأمن والاستقرار في الكويت، ولا سيما بعد أن شهدت ساحاتها وطرقاتها حراكات ومظاهرات في العام 2012 تُقاد من شخصيات إخوانية وتُدعم ـ وللأسف الشديد ـ إعلاميا وسياسيا وماليا من إحدى الدول الخليجية، والحق يقال في هذا المقام أن حكومتي السعودية والإمارات ادتا دورين مشرفين لمساندة الكويت ونظامها في وجه التمرد الذي يحمل في طياته أهدافا ومضامين تستهدف الإخلال بالأمن العام وتقويض النظام وإسقاط مؤسسات الدولة تحت شعارات الإصلاح ومحاربة الفساد انتهازا لرياح الربيع العربي المفتعلة ومحاولة لنقل صور الفوضى والثورات التي اجتاحت بعض العواصم العربية إلى دول الخليج، لكن الله رد كيدهم في نحورهم وكشف مآربهم وخططهم.
نقول هذا الحديث عن المملكة العربية السعودية تحديدا، ونحن نشهد منذ اندلاع الأزمة الخليجية حماسة عند بعض نشاطئنا السياسيين ومغردينا في تبني آراء ووجهات نظر لا تخدم أولا العلاقات التاريخية العريقة التي تربط الكويت والسعودية، وثانيا تقفزعلى حقائق الوفاء والرجولة والمروءة التي سطرها السعوديون في سجلات المجد لنا، وثالثا تتجاهل أمرين مهمين يشكلان محورا في حماية سيادتنا، وهما التاريخ السياسي السعودي – الكويتي المشترك، وكذلك الواقع الجغرافي الجواري الذي نعتمد عليه كعمق ستراتيجي، لدولتنا الصغيرة.
هذه العوامل تدعونا إلى ضرورة فهم مع من نرتبط بمصالح ستراتيجية حساسة جدا ، لا تقبل أن تكون مادة للإثارة الإعلامية أو التكسب السياسي، حتى وإن بدت بعض الشطحات والانفعالات من عدد محدود من الكتاب والمغردين والإعلاميين السعوديين تجاه رموزنا، والوساطة الكويتية، والتفسيرات المغلوطة حول الموقف الرسمي لحكومتنا الذي هو في الحقيقة يتمحور حول عودة المياه لمجاريها بين الأشقاء الخليجيين، وإصلاح البيت الخليجي من الداخل بالحوار الهادف والحكمة والموعظة الحسنة ، وهذا النهج هو ما يتمناه سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح، حفظه الله ورعاه، لرأب الصدع في الجدار الخليجي وتفويت الفرصة على من يريد العبث بمقدرات ومستقبل الشعوب الخليجية .
أخيرا: نحن على ثقة كبيرة بأن القيادة السياسية السعودية وفي مقدمها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أطال الله عمره، سوف تعمل على ما اعتدنا عليه من نهج قويم في التعاطي مع ملفات البيت الخليجي مهما حدث وما زال يحدث من تحديات جسيمة، تتطلب الحكمة وضبط النفس والحفاظ على استمرار وشائج الصلة والمحبة والمصير المشترك بين شعوب المنطقة الخليجية التي ترتبط أصلا بروابط عائلية وتاريخية وتراثية مشتركة.