التنمية تقتضي إصلاحا ماليا واقتصاديا يسيران بشكل متواز يكمل بعضهما بعضا، ولا يمكن الفصل بين الاصلاح المالي والجانب الاقتصادي، اذا كانت الحكومة فعلا جادة في الاصلاح، وهو ما يقتضي بالدرجة الاولى تقليص الهياكل الادارية الحكومية وتقليص ايضا التزامات الدولة غير الاساسية.
احدى ركائز العلاج تكمن في تقليص هيمنة الحكومة على الميدان الاقتصادي والخدماتي بشكل خاص الى 30 في المائة بدلا من الواقع الحالي البالغ حوالي 70 في المائة، وفي حال ما تم ذلك يمكن حينها الاطمئنان الى مسار تنموي ملموس وبواقعية اقتصادية من شأنها ان تخلق استقرارا اجتماعيا وسياسيا من اجل مستقبل مزدهر واضح المعالم، وليس مستقبلا مظلما ممتلئا بالمفاجآت وسياسات متناقضة ومتضاربة!
هذا الواقع يتطلب نظرة واقعية في تشخيص تحديات اليوم، علاوة على تحديد مصادر الخلل السياسي المؤثر في مسار خطط واعدة، ولعل اول مصادر الخلل في معالجة التركيبة السياسية الحكومية، فالواقع الحالي للحكومة يفرض فصلا بين الإصلاح المالي والاقتصادي بسبب وجود وزارة للشؤون الاقتصادية، بينما السياسة المالية تخضع لحقيبة وزارية أخرى، وهو ما يجعل الاصلاح والتخطيط ككل صعبا للغاية او مستحيلا، اذ لا يجوز فصلهما عن بعض.
التشخيص المقترح لا بد ان يكون على يد اعضاء المجلس الاعلى للتخطيط كبداية نحو ارساء قواعد متطلبات الاصلاح وتحديد الاولويات، على ان تكون سياسات وتوصيات المجلس بمنزلة وثيقة تنفيذية، وليست استشارية يمكن ان تعبث بها رياح سياسات المقايضة وغض الطرف، والتنازل شيئا فشيئا عن درجات الاصلاح ومستويات النمو المستهدفة!
اذا كانت الغاية فعلا تحقيق اصلاح اقتصادي ومالي، فأتمنى على الاخوة الاعضاء في المجلس الاعلى للتخطيط معرفة وتحديد دورهم من الايام الاولى، فإذا كان دورهم استشاريا بحتا وآلية التنفيذ تحت مظلة اخرى، فهذا يعني ان المجلس الاعلى للتخطيط سيعاني نفس المشكلة التي عانت منها المجالس السابقة! ولعله لو تم الامعان في تقارير سابقة لمجلس التخطيط السابق لوفر الكثير من الجهد والوقت من جهة على الاعضاء الجدد، كما سيساهم ذلك في بلورة رأي وموقف من التشابك الحكومي.
ان التحولات الاقتصادية المنشودة لا بد ان يواكبها من الايام الاولى فريق اعلامي قادر على وضع آلية عمل تعالج سوء الفهم القائم لبرامج التخصيص سواء للشعب ككل، وتحديدا في الجهات المرشحة للتخصيص حتى لا يتحول من يعمل في هذه الجهات الى مصادر تعميق سوء الفهم واللغط بين صفوف الشعب، وهي ردود فعل متوقعة برهنت عليها تجارب دول العالم التي اقدمت على تحقيق تحولات اصلاحية تنقذ الادارة الحكومية من حالة الترهل والتردد!
ولعله من المهم ايضا اعادة النظر في مجمل العقود الاستشارية التي أبرمتها الامانة العامة للتخطيط، خصوصا الاجنبية منها التي صنفت مفهوم التنمية وكويت جديدة على انها «ماركة تجارية»، وليست غاية وهدفا وطنيا تنمويا لمصلحة اجيال اليوم والمستقبل.
من المهم ايضا تقييم عدد فرق العمل التي شكلتها الامانة العامة للتخطيط مباشرة او من خلال برنامج الامم المتحدة الانمائي او مجلس الوزراء، والغرض منها، والتي جاءت نتيجة تدخلات حكومية!
بالنهاية نتمنى ان تدعم الحكومة متطلبات المرحلة، وتوفير الاجواء المهنية للمجلس الاعلى للتخطيط حتى نرى في القريب الممكن جزءا من حلم تنموي كان يفترض ان يتحقق منذ ما يزيد على خمسين عاما.
***
شكرا للأخوين العزيزين فهد البحر ود. فهد الراشد لموافقتهما على الانضمام الى المجلس الاعلى للتخطيط، وهو عبء جديد بعد مسيرة تاريخية مع نخبة من رجالات الكويت في مواجهة سرقة استثمارات الدولة ابان الغزو.