استعرضت شركة الوطني للثروات ريادتها الفكرية وخبراتها الواسعة في القطاع المالي من خلال مشاركتها المتميزة في إحدى الحلقات النقاشية المؤثرة ضمن فعاليات مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار الذي عقد في الرياض. وقد شكلت هذه المنصة فرصة فريدة للوطني للثروات للتواصل مع قادة القطاع وأصحاب المصالح، والتطرق إلى قضايا رئيسية تؤثر على المشهد المصرفي والنمو الاقتصادي.
وطرح الرئيس التنفيذي لـ«لوطني للثروات»، فيصل الحمد، رؤيته حول عدد من المواضيع الإستراتيجية حول رؤية وخطوات الشركة تجاه دمج المسؤولية الاجتماعية ضمن عملياتها الأساسية، انسجاماً مع التزام مجموعة «الوطني» الراسخ بالتنمية المستدامة.
وضمت الجلسة نخبة من الخبراء البارزين، من بينهم عضو مجلس الإدارة رئيس الخدمات المصرفية للشركات في مجموعة «ING» أندرو بيستر، ومدير عام المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا الدكتور سيدي ولد التاه. وقد شاركا بخبرات واسعة ورؤى متنوعة، ما أسهم في إثراء الحوار حول الدور الحيوي الذي تضطلع به البنوك في تعزيز التأثير الاجتماعي وتحقيق التنمية المستدامة.
تعزيز التأثير الإيجابي
وتناولت المناقشة إمكانية إعطاء البنوك الأولوية للتأثير الاجتماعي في ظل الضغوط الاقتصادية المستمرة وتقلبات السوق.
وأكد الحمد على أن التأثير الاجتماعي يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من العمليات اليومية للبنك، وأن يشكل الركيزة الأساسية لثقافته وعمليات اتخاذ القرار.
وشدد على أهمية تحديد الأثر الاجتماعي بناءً على المناطق الجغرافية المحددة والاحتياجات المحلية، وهو الأمر الذي يعد ضرورياً لتحقيق التغيير المستدام وتمكين المجتمعات.
ودعم هذا التوجه بيستر وولد التاه، اللذان اتفقا على أنه يجب على البنوك الاعتراف بأدوارها المجتمعية وتوسيع نطاق تركيزها ليشمل الأثر الاجتماعي بجانب تحقيق الربح.
وتناولت المناقشات التزام قطاع التمويل بالمسؤولية الاجتماعية والاستدامة، ما أثار تساؤلات حول إمكانية تحقيق تغيير دائم مقابل العودة إلى النماذج التقليدية التي تركز على الربح، وتم استعراض مجموعة من الأسئلة الملحة والتطرق بتعمق لمسؤوليات البنوك في المشهد المالي الحالي.
كما تطرق المشاركون للفرص التي يقدمها نموذج الاقتصاد الدائري، الذي يعتبر سوقاً ضخماً يصل إلى 4.5 تريليون دولار، خصوصاً بالنسبة للبنوك التي تسعى نحو اقتناص فرص استثمارية مؤثرة. وناقشوا كيفية التواصل بفعالية مع المستثمرين، مؤكدين أن الاستثمار المسؤول اجتماعياً يمكن أن يحقق عوائد مالية إيجابية، لا سيما في مجالات مثل الطاقة المتجددة وإدارة النفايات والزراعة المستدامة.
وأشار الحمد إلى أن مثل هذه الاستثمارات لا يقتصر دورها على تعزيز النمو على المدى الطويل فحسب، بل يساهم ايضاً في تحسين أوضاع السكان، ما يعزز بدوره الطلب على الخدمات المصرفية.
نهج «الوطني» ثلاثي الأبعاد
وأشار الحمد إلى أن «الوطني» يقود هذه الحركة، ما يجسد التزامه القوي بالاستثمار المؤثر اجتماعياً من خلال اتباعه لنهج ثلاثي، الذي يوازن بين الناس والكوكب والأرباح.
وفي عام 2023، أطلق البنك إستراتيجيته الأولى للحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية التي تمتد لثلاثة أعوام، وتضمنت العديد من الأهداف الطموحة، بما في ذلك الوصول بمحفظة الأصول المستدامة إلى 10 مليارات دولار بحلول عام 2030 لتسهيل التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون.
كما تناول المشاركون الدعوة التي وجهتها مبادرة تمويل البيئة التابعة للأمم المتحدة، المعروفة باسم UNEP-FI، إلى البنوك لتضمين نموذج الاقتصاد الدائري ضمن إستراتيجياتها.
واتفق المتحدثون على أن التغيير التحويلي يتطلب من البنوك التركيز على النمو طويل الأجل من خلال دمج مبادئ الاقتصاد الدائري، والتي يمكن أن ينتج عنها فوائد اقتصادية هائلة، بما في ذلك خفض تكاليف المواد الخام والطاقة.
وأشار الحمد إلى أن «الوطني» عالج بشكل استباقي توقعات البنوك للنظر في الآثار البيئية والاجتماعية لأنشطة الإقراض. حيث انضم البنك في أبريل 2024 إلى مبادرة الشراكة من أجل المحاسبة المالية للكربون «PCAF» لتحديد كمية الانبعاثات الممولة والإفصاح عنها، وتعزيز فهمه للآثار البيئية وطرح مبادرات أكثر تأثيراً.
للتكنولوجيا بصمة إيجابية
كما أبرزت المناقشات أهمية التكنولوجيا في تقليص فجوة المعلومات التي غالباً ما تعيق مبادرات التأثير الاجتماعي.
وأكد الحمد قائلاً: «إن الاستفادة من التكنولوجيا أمر ضروري لتعزيز فهمنا للآثار الاجتماعية، ولتمكين أصحاب المصالح من اتخاذ قرارات مستنيرة». ومع تزايد رغبة المستثمرين في الحصول على رؤى قائمة على البيانات، يتعين على البنوك استغلال التكنولوجيا لتسهيل الوصول إلى المعلومات الحيوية.
وسلط المتحدثون الضوء على دور مجلس معايير الاستدامة الدولية (ISSB) في تعزيز عمليات الإفصاح عن التأثيرات الاجتماعية، وتوقع التطور التكنولوجي الذي من شأنه أن يجعل الإفصاحات المتعلقة بالآثار الاجتماعية والبيئية أكثر تواتراً وآلية. ويمكن ان ينتج عن تحسين تتبع مثل هذه المبادرات عبر سلاسل التوريد عن تحسين الشفافية، بينما يمكن تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي من تعزيز التقارير والمساءلة.
الابتكار في بيئة تنافسية
وتناولت الجلسة الحاجة الملحة للبنوك للابتكار في ظل المشهد التنافسي الحالي، وخاصة في ظل الاستجابة لمرونة شركات التكنولوجيا المالية وتركيزها على العملاء.
وأكد الحمد أنه لتحقيق تأثير مجتمعي هادف، على البنوك تبني الابتكار، وتستثمر البنوك التقليدية بشكل متزايد في التكنولوجيا والمبادرات الرقمية، حيث تستفيد من تحليلات البيانات المتقدمة للحصول على رؤى دقيقة حول تفضيلات العملاء وتخصيص عروضها بشكل أفضل.
وأشار إلى التزام «الوطني» بتعزيز المعرفة والتطوير المستمر، مع مواصلة رفع قدرات فرق العمل لتمكينها من تبني ممارسات مبتكرة.
وألقى الضوء على إطلاق بنك «وياي» في 2021، الذي يعد أول بنك رقمي بالكامل في الكويت، حيث يركز على تعزيز الثقافة المالية ويستهدف تلبية احتياجات الشباب غير المستفيدين بالخدمات المصرفية.
التمويل المستدام
كما بحثت الجلسة أيضاً دور المبادرات الحكومية في تعزيز التمويل المستدام وتأثيرها على ديناميكيات السوق. وفي الوقت الذي تهدف فيه هذه المبادرات إلى تشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة والتكنولوجيا المستدامة، فإنه من الضروري ألا تقتصر هذه الجهود على إعادة توجيه رأس المال لتلبية المعايير التنظيمية فحسب، بل يجب أن تسعى لتحقيق تغييرات حقيقية وملموسة.
وأقر الحمد بأن التوافق مع المتطلبات التنظيمية الدولية أصبح أمراً حيوياً لتحويل نماذج الأعمال. وأشار إلى أن اللوائح الأكثر صرامة تدفع البنوك لتبني إستراتيجيات طموحة للحد من الآثار البيئية والاجتماعية. وقد بلغت قيمة محفظة القروض المستدامة لـ«الوطني» بالفعل ما يقرب من 3.65 مليار دولار، مستهدفاً الوصول إلى 10 مليارات دولار بحلول عام 2030.
مواجهة الغسل الأخضر
وسلطت الحلقة الضوء على الحاجة إلى تعزيز النزاهة الحقيقية في مبادرات التأثير الاجتماعي، ومعالجة انتشار «الغسل الأخضر».
ودعا الفريق إلى وضع معايير واضحة وقابلة للقياس لمطالبات الاستدامة والتدقيق المستقل لتعزيز المصداقية. حيث يمكن لعمليات التدقيق المنتظمة ووصول الجمهور إلى تقارير الاستدامة أن تعزز المساءلة بشكل كبير، في حين يجب أن تتمتع الهيئات الرقابية بسلطة فرض عقوبات على الادعاءات المضللة.
وأكد الحمد التزام «الوطني» بضمان نزاهة مبادراته للاستدامة، مؤكداً أن إستراتيجيته للحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية تدمج كركائز أساسية ضمن عمليات البنك وتخضع لإشراف مجلس الإدارة. وفي عام 2024، أصبح «الوطني» أول بنك في الكويت يصدر سندات خضراء بقيمة 500 مليون دولار، ما يؤكد التزامه بتحقيق نتائج مستدامة حقيقية.
في ختام المناقشة، أكد المتحدثون على أهمية إعادة تحديد الهدف الرئيسي للبنوك ليعكس التزامها بإحداث تأثيرات إيجابية على المجتمع. وأشاروا إلى ضرورة أن تتولى البنوك مسؤولية الإشراف على الموارد، مع التركيز على الاستثمارات التي تحقق نتائج اجتماعية إيجابية وتعزز الثقافة المالية بين عملائها.
وأكد المشاركون على المسؤولية الجماعية للقطاع المصرفي في تجاوز الدوافع التقليدية للربح، وتوجهوا بدعوة واضحة لقادة القطاع المالي والتي تمثلت في إعادة تصور الهدف الرئيسي لبنوكهم واغتنام الفرصة ليصبحوا قوة فعالة لتحقيق التغيير الإيجابي.
وانطلاقاً من مركزه الريادي، أكد بنك الكويت الوطني مواصلة التزامه بمبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، ودعم عملياته بروح مصرفية مسؤولة. ومن خلال ما يطلقه البنك من المبادرات الإستراتيجية والتركيز على الممارسات المستدامة، لا تقتصر جهوده على الالتزام بأعلى المعايير العالمية فحسب، بل تمتد أيضاً لتساهم بشكل فعال في رفاهية المجتمعات التي يخدمها. ومكن هذا الالتزام البنك من تعزيز مكانته الرائدة في المشهد المالي، حيث يقود التغيير الإيجابي ويعتبر مثالاً يحتذى به في القطاع.