سعدت كثيرًا عندما اطلعت على قرارات التسهيلات الضريبية التي أطلقها السيد وزير المالية مؤخرًا، سعادتي تنبع من إيماني أن بعض القضايا والمشكلات المزمنة في مجتمعنا تحتاج إلى قرارات ثورية وتغيير جذري حقيقي على الأرض يلمسه المواطن مباشرة ويشعر معه بتغيير في النهج والفكر، بعيدًا عن المسكنات التي لا تغني ولا تسمن من جوع في كثير من الأحيان.
إعلان وزير المالية الشاب وبجرأة عن حزمة من التسهيلات الضريبية الحقيقية أحدث هزة في مجتمع الأعمال، وأحيى الأمل في ثورة إصلاحية لمنظومة الضرائب القديمة التي لا تلقى قبولا لدى الشارع المصري.
التسهيلات الجديدة تضمنت 20 إجراء والهدف واحد وهو التبسيط والتسهيل ومد جسور الثقة مع الممولين، لذا نجد هذه الإجراءات تتحدث عن تقليص عدد الإقرارات الضريبية السنوية وتأجيل الفحص الضريبي الأول لما بعد 5 سنين، إضافة لعدم فتح صفحة الماضي بالنسبة للممولين الجدد، ناهيك عن وضع سقف للغرامات الضريبية، وتكثيف الحملات التوعوية للممولين حول كيفية الامتثال الضريبي.
هذا جزء مما أعلن عنه وهناك تفاصيل كثيرة، إن تم تنفيذها كما هومخطط، فأعتقد أنها ستحول مصلحة الضرائب إلي طرف داعم للمواطن ولصاحب العمل.
أخذت الإجراءات الجديدة حقها من حوار مجتمعي مع أصحاب المصلحة لتخرج إلى النور بإجماع وبدون اعتراضات تذكر، مما يمهد الطريق إلي انطلاقة نحو عصر جديد لمصلحة الضرائب، عصر يكون عنوانه الثقة والشفافية.
مما لا شك فيه أن المستفيدين الأول من هذه الإجراءات الجديدة هم صغار الممولين من الشركات الصغيرة والناشئة والمهنيين، وأعتقد أن أغلبهم من الشباب الذين يتطلعون إلي معاملات ضريبية سهلة وواضحة بدون روتين معقد أو مبالغة في المطالبات الضريبية.
أعتقد أن هذه الحزمة من الإجراءات وما سيتبعها من حزم أخرى ستمثل حافزًا لانضمام شريحة من أصحاب الأعمال القابعين في ظلمات الاقتصاد غير الرسمي إلى لواء الدولة ومظلتها، علمًا بأن الاقتصاد غير الرسمي يمثل 50% من الناتج المحلي الإجمالي بحسب بيانات وزارة التخطيط الصادرة نهاية عام 2022.
من المهم أن نشير إلى الأهمية القصوى لتغيير الصورة الذهنية لمصلحة الضرائب لدى المواطنين وأصحاب الأعمال، وهو عمل ليس باليسير، بل أرى أنه سيتطلب خريطة طريق طويلة مبنية على إرادة حقيقية لترسيخ مفاهيم جديدة تمامًا تحكم العلاقة بين مصلحة الضرائب ومموليها.
أتمنى أن تحذو مؤسسات أخرى في الدولة حذو وزارة المالية في إعلاء قيمة الانفتاح على المجتمع والتواصل معه وحل مشكلاته المتراكمة منذ عقود.
وأختم بالقول إن الدفع بمسئولين في سن الشباب إلى صدارة المشهد هو قرار حكيم في هذه المرحلة من عمر الوطن، فليحملوا اللواء ويتصدروا المشهد وينيروا الطريق لنحصل نحن على غدٍ أفضل.
أحمد العصار
بوابة الأهرام المصرية
23 نوفمبر 2024