أجمع عدد من الخبراء على أن قاعدة البيانات حول قضية تقليص أو إلغاء الدعم تفتقر إلى الشفافية الكافية لاستنباط واستشراف تحركات وزارة المالية وخططها المستقبلية، مشيرين في لقاءات إلى أن الظروف الحالية تحتم على المسؤولين التحلي بمزيد من الشفافية والمصداقية، ولاسيما فيما يخص التداعيات المستقبلية على الاقتصاد والسوق، وعقب تراجع النفط اختلف الخبراء بالرأي حول التداعيات التي ستنجم عن تنامي الشائعات عن رفع الدعم، حيث رأى فريق ان الآثار ستكون وخيمة على الاقتصاد، فيما رأى آخرون ان الاقتصاد لن يتأثر على الاطلاق، وأن التأثير سينحصر على الانفاق العام دون غيره.
وأوضح فريق من الخبراء ان خريطة استثمار الصندوق السيادي تراوح مكانها، وأن الاقتصاد ما يجعل موجه ويخضع لمعايير معينة واشتراطات من قبل الجهات المعنية ولهذه الاسباب لا يمكن لأي وزارة أو مؤسسة في الدولة التحرك من دون توجيهات مسبقة، فيما اختصر فريق مشكلة الكويت بشكل خاص ودول الخليج بشكل عام في الاعتماد الكلي على مصدر احادي للدخل الا وهو النفط، مقترحا ان يتم وضع بدائل وحلول للخروج من النفق الضيق الذي بات يشكل كابوسا يهدد سياسات دول الخليج… وإلى تفاصيل التحقيق التالي:
بداية رأى نائب رئيس مجلس ادارة مجموعه عربي القابضة حامد البسام ان عدم وجود خطة مرسومة، وغياب المعلومات والبيانات من الأسباب التي تقف وراء عدم افصاح وزارة المالية عن آلياتها لسد العجز في الموازنة رغم استمرار تراجع اسعار النفط، مشيرا إلى انه يتردد في اوساط حكومية ان هناك احتمالات لتراجع الجهات المعنية عن قرار الضرائب.
وقال ان الضرائب وتخفيض الدعم جزء من خطة التنمية التي وضعتها المالية، ولهذا تجب دراسة الامور بشكل اكثر تعمقا.
وحول تأثر سوق المال بالجدل الدائر وشائعات تقليص أو الغاء الدعم قال: «ان تعزيز سياسة الثواب والعقاب امر مطلوب لحماية السوق من التأثيرات السلبية، لا سيما ان انتشار الشائعات حول اي موضوع من الممكن ان يؤدي إلى كارثة واشكالية، لافتا إلى ان الرقابة لا محل لها في السوق وآليات العقوبات غائبة عن المشهد.
وحث الحكومة على وضع آليات وقواعد لتنظيم اوضاع السوق وتحسين مجرياته التي باتت غير واضحة المعالم، موضحا ان اهمية تعزيز القوانين والتشريعات المتعلقة بالشفافية المطلقة، واستشهد البسام بآليات الشفافية في الدول الغربية وسرعان ما قال: «اذا نظرنا إلى الحكومة البريطانية نجد ان وزير المالية ورئيس الوزراء يقومان في حال اصدار قرارات حيوية باستعراض الخطط المستقبلية على الملأ ويضعان قراراتهما بين يدي الشعب ما من شأنه بث روح الطمأنينة والثقة في الحكومة التي تجد دائما دعما وتأييدا من قبل الشعب.
وقال البسام ان السوق الكويتي يعتمد في استقاء معلوماته على التكهنات والتوقعات، وذلك بسبب عدم وجود بيانات صحيحة ومعلومات سليمة تصدرها الحكومة لكي تعزز مبدأ الشفافية.
ودعا وزارة المالية إلى استعراض خططها وإستراتيجيتها بشكل علني امام الجميع، وليس بصورة تسريبات غير موثقة ورأى ان التكهنات تفتح الابواب لتنامي الشائعات والأقاويل التي قد تتسبب في اشكاليات.
وقال ان الصندوق السيادي للدولة مسير وليس مخيرا حيث يراوح مكانه فيما يخص خريطة الاستثمارات، وتساءل: «لماذا لا يجدد الصندوق نفسه، لماذا يستثمر في ذات الاستثمار منذ سنوات، وما السبب في عدم افصاحه عن خططه المستقبلية وأين البيانات المتعلقة بتوجهاته المستقبلية؟ الاسئلة السابقة تحتاج إلى اجابات وافية من قبل المسؤولين.
أزمة تراجع الأسعار
قال الخبير الاقتصادي محمد العلوش: من المفترض ان تفصح وزارة المالية عن وضع الدولة المالي ومشاريعها لمواجهة ازمة تراجع أسعار النفط ومعالجة العجز في الموازنة بشفافية، والقيام بعمل ورش عمل لتوضيح كل هذه النقاط ليعلم عنها المجتمع ويتعرف المواطنون على السياسة المالية العامة للدولة.
وأكد العلوش أن اسعار النفط الحالية تسبب ازمة مالية للموازنة العامة، واضاف: نحن دخلنا في ازمة مالية عالمية قد تكون شبيهة بأزمة 2008 هذه المرة ستؤثر في الدول النفطية بشكل مباشر، لذلك على الحكومة البحث بجدية عن حلول طويلة المدى وناجحة لحل أزمة العجز في الموازنة، لا سيما ان هناك الكثير من الدراسات الموجودة في ادراج الحكومة فندت هذا الوضع الاقتصادي ووضعت له حلولا ولم يؤخذ بها مؤكدا ضرورة اعادة هيكلة الاقتصاد برمته.
ودعا العلوش للابتعاد عن التفكير في السحب من صندوق الكويت السيادي حتى لا تتقلص اصوله.
وتابع بالقول: لا بد ان نفكر بطريقة مختلفة تماما عن معالجتها للازمات السابقة فقد واجهنا في آخر ثلاثين عاما 4 أزمات والمشكلة أننا واجهناها بطريقة واحدة وهذا هو الخطأ بعينه، فمواجهة تداعيات أزمة الغزو الغاشم لا بد ان تختلف عن ازمة تراجع اسعار النفط في التسعينيات، وكذلك الازمة المالية في 2008 لكن بكل صراحة الحكومة واجهت هذه الازمات بنفس العقلية والحلول، ويجب ان تضع خطة طويلة المدى لمعالجة اي اختلالات هيكلية أو ازمات طارئة، بالاضافة إلى انه يجب علينا ان نفكر في البحث الحقيقي عن مصادر تمويل ودخل جديدة بعيدة عن الحلول الترقيعية.
بديل الإيرادات
من ناحيتها قالت الخبيرة الاقتصادية نجاة السويدي: بالنسبة لموارد الحصول على بديل الايرادات للنفط المدعم للموازنة العامة للدولة يمكن الاستفادة من ايرادات الهيئة العامة للاستثمار، وأعتقد ان الوقت الحالي يعتبر مناسبا للاستفادة من العوائد.
وبينت السويدي قائلة: كان يجب ايضا على الحكومة ان تزيد من رأسمال الصندوق السيادي ابان الفورة المالية وزيادة مداخيل البلد من النفط طوال السنوات السابقة لكن المشكلة انه لم تتم الاستفادة من العوائد، وفي المقابل ارتفعت معدلات الهدر المالي والقيام بمعالجة الازمات المالية منذ ازمة المناخ وحتى الازمة المالية بخطوات خاطئة خصوصا أن الصندوق السيادي الكويتي كان في وقت سابق اكبر من عدة صناديق سيادية خليجية، ولكنها تفوقت علينا وقامت ايضا بفتح باب الاقتصاد والسياحة والاستثمارات ومنحت الضوء الأخضر لشركات القطاع الخاص.
من جهته قال خبير الموازنات العامة والمحلل الاقتصادي الدكتور هاني بكير ان تراجع اسعار النفط خلال الفترة الماضية القى بظلال كثيفة على موازنات الدول المنتجة للنفط، لا سيما ان هذه الدول تبني موازناتها ومشاريع التنمية بناء على اسعار النفط.
واضاف د. بكير ان تقليص الدعم أو تخفيضه بدرجات مختلفة ظهر خلال الفترة الماضية كأحد الحلول لتخفيف العبء على الميزانية وتعويض الانفاق في الدول، مشيرا إلى ان الاسس الرئيسية في النواحي المالية للدول تعتمد على تخفيض النفقات وتعويض موارد اخرى من الدولة في مثل تلك الحالات.
وشدد على ضرورة عدم التسرع في اتخاذ قرارات لتخفيض كبير للدعم الذي تقدمه الدولة على الخدمات والسلع في ظل انهيار الاسعار، مؤكدا ان التخفيض في الدعم بشكل كبير من الممكن ان يتسبب في تضخم وارتفاع في الاسعار لا تحمد عقباه على المدى البعيد.
وقال ان تقليص الدعم على السلع والخدمات يؤثر جديا على جوانب الاقتصاد في كل دول العالم، موضحا ان ذلك التأثير من الممكن ان يكون على المواطن البسيط اولا ثم ينتقل ذلك التأثير إلى كل المؤسسات واسواق المال والبورصات التي تعتبر احد جوانب الاقتصاد.
وألمح د. بكير إلى ان اعتماد دول الخليج على مورد واحد للدخل يعد من ابرز السلبيات التي تعاني منها المنطقة، مؤكدا ان وضع إستراتيجيات بديلة وخطط بعيدة المدى في دول المنطقة عن طريق تشييد الصناعات البديلة للنفط مثل البتروكيماويات والانشطة الصناعية من شأنه ان يساعد من تقليل الآثار السلبية في مثل تلك الظروف.
ولفت إلى ان المملكة العربية السعودية تعتبر من الدول التي يحتذى بها في ذلك المجال، لا سيما أنها بدأت فعليا في التوسع في مجال صناعة التكرير وصناعة البتروكيماويات وعدم الاعتماد كليا على بيع النفط الخام، مما عزز موارد الدولة وساعد في تعويض الانفاق والاعتماد على مورد واحد وهو النفط.
عدم الإفصاح
من جانبه قال رئيس مجلس ادارة الشركة الكويتية للصخور، بدر الراشد، ان السياسة الحذرة والمتحفظة التي تتبناها وزارة المالية هي السبب وراء عدم الافصاح عن خططها حتى الآن، مشيرا إلى ان الامر يحتاج إلى اعادة النظر من قبل الجهات المسؤولة عن المالية حتى يتسنى لها السير بخطى سليمة بعيدة عن التخبط والعشوائية.
وأضاف الراشد ان تاريخ الموازنات في الكويت غير واضح إلى حد ما، لا سيما أن البعض يحاول اخفاء الحقيقة وتسريب ارقام بعينها دون الاخرى.
ودعا إلى خلق حكومة ظل مهمتها الاساسية مراقبة والاشراف على الحكومة الحالية، وذلك لتعزيز مبدأ الشفافية والمصداقية علاوة على تفادي حدوث مغالطات أو أخطاء في المستقبل.
ورأى ان الجدل الدائر وتنامي الشائعات حول تقليص أو الغاء الدعم لن يؤثر على الاقتصاد على الاطلاق بل سيؤثر على الانفاق العام للدولة، مشيرا إلى ان الكويت ودول الخليج بشكل عام لديها فوائض ويمكنها التعامل مع المستجدات الحادثة بشكل جيد، بيد انه اكد ان الاشكالية في غياب الادارة والتخصص.
وأوضح ان المنظومة الاقتصادية في الدولة غير متوازنة لا سيما في ظل استفادة فئة بعينها من الاصلاحات وتهميش اخرى تحتاج إلى المساندة، لافتا إلى أن القطاع الخاص من القطاعات الاقتصادية التي تحتاج إلى المساعدة من قبل المسؤولين.
وأشار إلى ان الاقتصاد الكويتي موجه ويخضع لمعايير معينة واشتراطات توضع من قبل جهة بعينها، ولهذا لا يمكن لأي وزارة أو مؤسسة في الدولة التحرك دون تلك الاشتراطات، مشيرا إلى ان الترهل اصاب كل مفاصل الاقتصاد، ولهذا فإن الوضع في حاجة إلى اعادة هيكلة.
وحول ما اذا كانت عوائد الصندوق السيادي تمثل ايرادا مهما من الايرادات غير النفطية من عدمه، رأى انها تمثل ايرادا مهما ولكن بشكل موجه، حيث قال: استثمارات الصندوق مسيرة وليست مخيرة لأسباب تعلم حقيقتها الجهات المعنية.