• نوفمبر 22, 2024 - 5:47 مساءً

إمارات القرار والرجال

أحمد الجارالله

أعادتني المواقف التي أعلنت في الدورة الثالثة للقمة الحكومية التي عقدت في دبي أخيرا إلى النصف الاول من سبعينات القرن الماضي، حين عقد اجتماع لوزراء الخارجية والدفاع الخليجيين، أظن أنه عقد في الكويت عام 1973، وكان بين الحاضرين وزير الدفاع الإماراتي، آنذاك، الشيخ محمد بن راشد، اذ لاحظ أحد الوزراء ان ابن راشد شارد الذهن، فسأله: «أين راح ذهنك»؟ فرد الشيخ محمد قائلا: كنت أسائل نفسي، كيف يمكن ان تصبح دبي بقعة سياحية عالمية»؟ لم يتمالك بقية الوزراء أنفسهم من الضحك، إذ كيف لمنطقة صحراوية تكثر فيها العواصف الرملية، وتبلغ درجات الحرارة والرطوبة فيها مستويات عالية جدا، ان تتحول بقعة سياحية عالمية وملتقى للشرق والغرب؟ السؤال والجواب تحولا حينها مادة للتندر بين الجميع، غير مدركين ان الوزير الشاب، يومذاك، لم يكن يتساءل من أجل السؤال فقط، إنما صاغ عبارته على هذا النحو ليضع اللبنة الاولى في مشوار طويل من العمل والجهد لبناء إمارة حديثة تحولت اليوم، ليس ملتقى للشرق والغرب فقط، بل عاصمة أعمال ومشاريع كبرى. طوال العقود الماضية كان الجميع يراقب حركة عمران البشر والحجر التي أطلقتها فكرة محمد بن راشد، ومن نجاح إلى آخر، باتت تتقدم هذه الامارة على بعض الدول عقودا من الحداثة، والذين قالوا، يومذاك، ان حلم الرجل بعيد المنال، وأن دبي مجرد مدينة من ورق، أيقنوا اليوم ان الاحلام ليست عصية على من يمتلك الارادة ليترجمها فعلا، وان دبي راسخة، وقوية، وقادرة على الصمود في وجه أعتى الازمات. في القمة الحكومية الثالثة، استعرض محمد بن راشد فصلا جديدا من حلمه لدفع دبي إلى المزيد من الريادة، وقد أذهلتنا مرئيات 43 عاما من العمل والاصرار، بل رأينا في هذه القمة الدولة كلها تسير على خطى التطور والتحديث، غير عابئة بانخفاض أسعار النفط الذي لم يعد يشكل لها أزمة، وقد عبر عن ذلك بوضوح نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية الإماراتي الشيخ سيف بن زايد آل نهيان بقوله: «ان انخفاض أسعار النفط أزمة بالنسبة لغالبية دول العالم، لكنه بالنسبة للإمارات يعد مجرد تحد نظرا إلى السياسات الرشيدة والتخطيط العلمي للمستقبل، فاقتصادنا كان يعتمد في البدايات على النفط بنسبة 90 في المئة، أما اليوم فأصبح الاعتماد عليه بنسبة 30 في المئة، وتسعى حكومتنا للوصول إلى نسبة 5 في المئة بحلول العام 2021. العالم أجمع يرى أحلام قادة الإمارات تتحول أفعالا فأي قدرات لدى هؤلاء الرجال تجعلهم يتحدثون بكل ثقة عن مستقبل بلادهم، فهذا ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد يعلن رؤيته: «بعد خمسين عاما سنصدر آخر برميل نفط، لكننا سنحتفل بفوز الإمارات في رهانها على التعليم». الإمارات اليوم باتت دولة كبيرة ومؤثرة في المحيط الاقليمي، بل عالميا، ولم يعد النفط العصب الوحيد لدخلها القومي، أليس كل هذا نتيجة للدراسة المتأنية للقرارات، وسرعة تنفيذها والسهر على إنجاز المشاريع، حتى اذا كان هناك ما يعيقها، فلا تتوقف إنما تعالج العراقيل والعمل يجري على قدم وساق؟ أليست هذه الانجازات نتيجة طبيعية لتحديث الادارة، وخفض الدورة المستندية والقضاء على الفساد والاهمال، وتفعيل الحكومة الالكترونية التي تمنع الهدر والرشوة، الا اذا كانت الحواسيب ترتشى؟ الإمارات نموذج يحتذى به وتحتاجه كل المنطقة، وليس كما هي الحال في بعض دولنا، حيث تقر وزارة مشروعا وتعرقله أخرى، وتنقض حكومة قرار سابقتها في الـ «b.o.t»، وترتعد فرائصها من تغريدة عبر «تويتر»، او قصة لفقها مأفون، وتصبح أسيرة بضعة نواب مبطلين، أو غير مبطلين، فتغرق في جدل بيزنطي، تاركة الزمن يسبقها وهي تراوح في مكانها. إمارات تلك الدولة تتنافس على الرقي والتقدم، ولكل واحدة منها مزاياها مكملة مشهد الدولة ككل، فهي في نهاية المطاف تلتقي عند قمة العصرنة والعمل الوطني المنزه عن أي مصالح ومكائد شخصية. في دول الخليج لدينا الكثير من المشاريع التي يجري الحديث عنها، ويستمر لسنوات، فيما إمارات الشيخ زايد (رحمه الله)، الرجل الموحد لهذه الخلطة السرية من النجاح والتقدم تنفذ مشاريعها وتتركها تتحدث عن نفسها. القمة الحكومية كشفت تقصيرنا في بقية دول الخليج، وكم نحن نحلم ونتحدث عن أحلامنا التي تبقى مجرد أحلام، وكيف نقول ولا نفعل، فيما هناك يقترن القول بالفعل لأن رجالها قرار.

Read Previous

القمة الحكومية في الإمارات وبناء الإنسان

Read Next

الرياض.. القاهرة.. مجد الحاضر والمستقبل

0 0 votes
تقييم المقال
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

Most Popular

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x