مجددا باتت علاقة السلطتين التشريعية و التنفيذية في الكويت ملتهبة بفعل «نار البنزين» التي اشعلت المجلس السابق وكانت احد اسباب حله، ففي حين تصر الحكومة على المضي في قرارات الاصلاح الاقتصادي، لا يزال بعض النواب مصرين على نهجهم الشعبوي الهادف إلى ارضاء الناخب على حساب مصلحة الكويت العليا حيث حض اللجنتين المالية والتشريعية لإقرار الاقتراحين المتعلقين بالغاء زيادة البنزين والكهرباء، ورفع التقرير إلى المجلس لاتخاذ القرار، وذهب بعضهم في التصعيد إلى حد التلويح باستجواب سمو رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك، في حال عدم الاستجابى لالغاء الزيادة.
مقترح غير دستوري
وكان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية أنس الصالح قد اكد ان مقترح الغاء زيادة اسعار البنزين غير دستوري، وطلب مهلة أسبوعين لاعداد الردود.
ووسط رفض حكومي لإعادة سعر البنزين إلى ما قبل سبتمبر الماضي، كشفت مصادر برلمانية ان الحكومة ستلجأ الى المحكمة الدستورية للبت في مدى أحقية مجلس الأمة في إقرار تشريعات تفرض رفع أسعار السلع والخدمات والبنزين بقانون يصدر عبر البرلمان.
وأشارت المصادر إلى أن الحكومة تتذرع بأنه ليس للمجلس حق التدخل في قضية رفع الدعوم أو أسعار المواد البترولية، على أساس اندراجها تحت مسمى الأثمان التي تحدد بقرار حكومي فقط.
مصادر حكومية قالت إن إعادة اسعار البنزين الى ما قبل الزيادة مرفوضة جملة وتفصيلا، موضحة أن مجلس الوزراء يتابع تقارير الجهات المختصة المكلفة برصد أسعار البنزين وتأثيرها، ومن ثم يقرر تعديل الاسعار كل ثلاثة أشهر.
تصعيد نيابي
وكان النائب د. حمود الخضير قد دعا الحكومة إلى تخفيض أسعار المحروقات البترولية لتعود إلى أسعارها القديمة قبل الزيادة الأخيرة التي طبقت بدءا من سبتمبر الماضي، لا سيما مع الأعباء المالية المتزايدة على المواطنين واستمرار ارتفاع اسعار المواد الاستهلاكية.
وأكد الخضير في تصريح صحافي أن اجماع أعضاء اللجنة المالية على ضرورة إلغاء قرار زيادة البنزين وقانون زيادة تعرفة الكهرباء والماء، بالإضافة إلى قرار اللجنة التشريعية في وقت سابق، فضلا عن التصريحات النيابية المتتالية في هذا الشأن إنما هي رسالة شعبية واضحة إلى الحكومة بإعادة حساباتها والاستجابة لهذه الدعوات القادرة على ضمان الأغلبية المطلوبة في مجلس الأمة.
وقال: «أنصح الحكومة بعدم المكابرة وأن تستجيب لنا في هذه القضية التي تؤرق المواطن الذي يئن اساسا من ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة»، مؤكدا أن تعاون الحكومة سيكون في مصلحة العمل داخل مجلس الأمة.
وأكد النائب رياض العدساني أن مقترح وقف زيادة أسعار البنزين راعى جميع الأطر القانونية والدستورية وأنه لا صحة لما أثاره وزير المالية أنس الصالح في اجتماع اللجنة المالية بخصوص وجود شبهة دستورية في المقترح.
وأكد العدساني أن «حجة الحكومة بعدم الدستورية عارٍ عن الصحة لأن شركة البترول الوطنية «KNBC» مملوكة للدولة 100 في المائة وتتم مناقشة ميزانيتها في لجنة الميزانيات ويعتمدها البرلمان، لذلك فإن إقرار القانون صحيح».
وبين أن زيادة أسعار البنزين بحسب ادعاء الحكومة سوف يوفر ١٥٠ مليون دينار بالسنة وذلك لا يشكل ١ في المائة من الميزانية العامة، وانعكاساته سلبية على المواطن من خلال زيادة الأسعار، مضيفا: أنه بخصوص الكهرباء فإن زيادتها من فلسين الى 25 فلسا ستصل بنسبة الزيادة إلى أكثر من 1200 في المائة بمعنى أن من يدفع 200 دينار سوف تصبح فاتورته 2500 دينار.
وطالب العدساني اللجنتين التشريعية والمالية بإقرار اقتراحيه المتعلقين بالبنزين والكهرباء ورفع تقريرهما إلى مجلس الأمة حتى يكون المجلس شريكا أساسيا في اتخاذ القرارات الحاسمة وعدم إطلاق يد الحكومة فيها.
حزمة الإصلاح مهددة
ويمثّل رفع أسعار البنزين في الكويت مراجعة مهمة لسياسات الدعم التي تنتهجها الحكومة منذ زمن.
وأي محاولة لفهم المسألة تبين أن هذا القرار كان مستحقا منذ أمد طويل إذ تمتع المواطنون والوافدون بدعم للوقود ودعم للسلع والخدمات لا يتوافر في العديد من البلدان، بما فيها البلدان الغنية. وأدى دعم البنزين على مدى السنوات والعقود الماضية إلى زيادة أعداد المركبات في شوارع الكويت بعدما أمنت وكالات السيارات إمكانيات لاقتناء السيارات بمختلف أنواعها بتسهيلات متنوعة. ولم يقتصر الأمر على السيارات الجديدة بل توافرت إمكانيات لاقتناء السيارات المستعملة من خلال آليات التقسيط الشهري المريح وبمبالغ مهاودة. وهكذا أصبح بإمكان الوافدين من أصحاب الدخول المحدودة اقتناء سيارات رخيصة الثمن وتسديد القيمة بأقساط شهرية ميسرة. وأصبح الانتقال يسيرا نظرا إلى انخفاض تكلفة الوقود.
وإذا كان قرار رفع أسعار البنزين واحدا من قرارات مستحقة في حزمة مراجعة سياسات الدعم ويلقى كل هذه المعارضة رغم تطبيقه بنجاح منذ شهور عديدة فهل يمكن لنا أن نتوقع أن تستمر الحكومة في طرح قرارات أخرى من أجل إنجاز عمليات تصحيح وإصلاح جادة؟ بطبيعة الحال هناك مراقبون اقتصاديون غير واثقين بمدى قدرة الحكومة على تطبيق هذه القرارات نظرا إلى معرفتهم بتجارب ومحاولات الإصلاح السابقة وحال التردد السياسي التي تتسم بها أعمال الحكومة. وهناك طغيان نيابي للشعبوية في التعامل مع السياسات ذات الصلة بالدعم أو بالتشغيل في الدوائر الحكومية، وثمة استمرار لنهج الاقتصاد الريعي المعتمد في البلاد منذ بداية عصر النفط. وفي ما يتعلق بقرار رفع أسعار البنزين، ثمة شهية مفتوحة لالغاء القرار من أعضاء في مجلس الأمة يأملون بالحفاظ على مقاعدهم في قاعة عبدالله السالم.
لم توفق الحكومة بالمجلس السابق في تمرير عملية إصلاح رسوم الكهرباء والمياه بعدما استبعد مجلس الأمة رفع هذه الرسوم على قطاع السكن الخاص الذي يشمل المواطنين الكويتيين، علما بأن هذا القطاع يمثل 40 في المائة من استهلاك الكهرباء و45 في المائة من استهلاك المياه.
ويرى عدد من المعارضين لسياسات الإصلاح بأن ما ستوفره الحكومة في عمليات ترشيد الدعم لا يمثل نسبة تذكر من قيمة العجز المتوقع الناتج من تراجع إيرادات النفط.
ويُفترَض أن يكون الهدف الأساسي من الإصلاح هو ترشيد الاستهلاك ودفع المواطنين والمقيمين إلى التوفير في استخدام المرافق والخدمات والوقود بما يعزز قدرة الحكومة على مواجهة الطلب المتوقع خلال السنوات المقبلة بفعل الزيادات السكانية والتوسع الجغرافي من دون الاضطرار إلى تخصيص مبالغ مهمة للمشاريع ذات الصلة. لكن يمكن الزعم بأن دعم استخدام الكهرباء والمياه والوقود من أهم عناصر الدعم والتي تستحق مراجعات من دون التأثير في نوعية الحياة في البلاد.
ولا شك في أهمية الاستمرار في الإنفاق على التعليم والتدريب والرعاية الصحية والارتقاء بكل الخدمات ذات الصلة بالتعليم والرعاية الصحية من أجل تحقيق تنمية بشرية نافعة.
بلد مثل الكويت تكرست فيه مفاهيم الاقتصاد الريعي على مدى سبعة عقود، كيف له أن يتحرر ويعزز مفاهيم المسؤولية والترشيد؟ هذا هو السؤال المحوري. المطلوب أن يكون لدى السلطة التنفيذية، ممثلة بمجلس الوزراء، الإرادة السياسية والقدرة على المواجهة وفي الوقت نفسه تبني برامج توعية. ولا بد أن تعمد الحكومة إلى وقف الهدر في مؤسساتها حتى لا تخلق ذريعة لدى النواب لمعارضة قرارات اصلاح الدعوم.
فالإصلاح المأمول لن يتحقق من دون تغيير الواقع الاقتصادي المبني على دور فاعل ومحوري للدولة في الحياة الاقتصادية، وتبني مشروع لتخصيص الخدمات وعدد من المرافق، وتكليف القطاع الخاص بتولي مـسؤوليات واسعة تشمل العديد من النشاطات التي تضطلع بها الدولة في الوقت الراهن.
وثمة قانون للتخصيص اعتمد عام 2010 وبات ضروريا تفعيله وتقليص دور الدولة. ربما يواجه هذا الطرح معارضات أشد من معارضة رفع أسعار البنزين أو الكهرباء والمياه لكن لن تتمكن الكويت من إنجاز مشروع إصلاح اقتصادي مثمر من دون إصلاح بنيوي واسع النطاق.
وسبق ان أكد خبراء واختصاصيون اقتصاديون أهمية قرار مجلس الوزراء برفع اسعار البنزين لما يترتب على هذا القرار من ترشيد في الانفاق العام وتقليص للعجز في الموازنة العامة واعادة توجيه الدعوم نحو مستحقيها فضلا عن كونه اولى الخطوات التنفيذية لوثيقة الاصلاح الاقتصادي.
وشدد هؤلاء في لقاءات متفرقة على ضرورة مواصلة الحكومة لنهج الاصلاح الاقتصادي وعدم الاكتفاء بهذا القرار بما يسهم في اخر المطاف بتنويع مصادر الدخل بالبلاد داعين في المقابل إلى معالجة الاختلالات عبر ادوات استثمارية اخرى تعزز متانة الوضع المالي للبلاد عوضا عن التوسع في تقليص الدعم.
وقال رئيس لجنة الكويت الوطنية للتنافسية الدكتور فهد الراشد: إن هذه الخطوة التي جاءت متأخرة مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي تعتبر من العوامل الرئيسية لتحسين مستوى التنافسية للاقتصاد الوطني، حيث ان هذا القرار من شأنه تخفيض نسبة العجز في ميزانية الدولة وعاملا مهما لقياس التنافسية.
وأضاف الراشد: أن اي قرار من شأنه ترشيد الانفاق يصب في المصلحة العامة ويعود بالنفع على الاجيال القادمة لاسيما ان التحديات الاقتصادية تزايدت بصورة كبيرة مع انخفاض اسعار النفط العالمية والتي تعتبر المصدر شبه الوحيد بالنسبة للاقتصاد الكويتي.
واوضح ان هذا القرار من شأنه ان يخفض عبء العجز في الميزانية ويحث المواطنين على ترشيد انفاقهم، خصوصا ان نسبة استهلاك الفرد في البلاد للبنزين تعتبر من اعلى النسب في العالم.
من جانبه قال رئيس جمعية المحاسبين والمراجعين الكويتية أحمد الفارس: ان قرار رفع الدعم له اثر ايجابي واضح وسيعزز من ميزانية دولة الكويت ويخفف من المصروفات والدعومات التي تقدمها الحكومة للمواطنين.
وفي مقارنة لاسعار الوقود بين دولة الكويت ودول الخليج الاخرى أوضح ان الكويت تحتل المركز الثاني بعد المملكة العربية السعودية من خلال قيمة البترول الممنوح من الدولة في جميع تصنيفاته، معتبرا ان أسعار الوقود بعد رفع الدعم مقبولة مقارنة بدول عربية وخليجية اخرى.
وذكر ان هناك جانبا ايجابيا في هذا القرار، موضحا ان مجلس الوزراء عند اتخاذه هذا القرار تعهد بمراجعة اسعار الوقود كل ثلاثة اشهر وهي فترة قريبة.
وقال الفارس: ان رفع الدعم سيؤثر ايجابيا على الدولة، معتبرا هذا الإجراء الاحترازي هو الحل السريع والمقبول في هذه الفترة.
واعرب عن امله في الا تستمر الحكومة في معالجة الخلل ببنود الميزانية العامة برفع الدعوم وان يتم معالجة هذا الأمر من خلال ادوات استثمارية اخرى تعزز متانة الوضع المالي للبلاد عوضا عن رفع الدعم الذي تقدمه الحكومة للمواطنين.
وأشار إلى ان الوضع المالي بدأ في التحسن في الميزانية مع ارتفاع اسعار النفط وان كانت بسيطة، لكن هناك مؤشرات مبشرة مؤكدا حق المواطن في التمتع بالدعم الحكومي
وتطوير الخدمات.