بقلم: السفير علي بن عبدالله آل محمود
سفير دولة قطر لدى الكويت
تحتفل دولة قطر بذكرى اليوم الوطني للدولة، ذكرى تولي مؤسس دولة قطر الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني الحكم في البلاد.
ويسعدني، بهذه المناسبة الوطنية العظيمة، ان أرفع اسمى وأصدق آيات التهاني والتبريكات لمقام حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر المفدى – حفظه الله – قائد مسيرة النهضة والتقدم والازدهار، وإلى الحكومة الرشيدة وللشعب القطري الكريم.
تحتفل دولة قطر هذا العام بهذه المناسبة السعيدة تحت شعار «مرابع الأجداد…أمانة» وهو مستمدٌ من قصيدة للمؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني – طيب الله ثراه – ويُبين ان القطريين يرتبطون ببيئتهم ارتباطا وثيقا منذ القدم حتى شكلت جزءا مهما ومؤثرا في تعزيز هويتهم.
ونحن اذ نحتفل بمناسبة تأسيس دولة قطر الحديثة إنما نستدعي أمجاد التاريخ لأولئك الآباء والأجداد الذين وطدوا دعائم الوطن ورفعوا رايته عالية في سماء العزة والكرامة لتستمر مسيرة بناء الوطن بسواعد ابنائه المخلصين لمستقبل أكثر إشراقا وازدهارا حفاظا على إرث الآباء والأجداد في صون الكرامة والسيادة الوطنية.
لقد تفضل حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر المفدى – حفظه الله – في السادس والعشرين من اكتوبر الماضي، فشمل برعايته الكريمة افتتاح اول مجلس تشريعي منتخب في تاريخ قطر، بعد انتخابات حرة ونزيهة جسدت حرص الشعب القطري على القيام بواجبه الوطني، ونالت إشادة وإعجاب الدول الشقيقة والصديقة بما شهدته من اجواء ديموقراطية شفافة ومشاركة شعبية كبيرة، وبذلك تكون قد اكتملت مؤسسات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في البلاد.
وقال سموه في كلمته امام مجلس الشورى: «نحن ماضون في جهودنا لتحقيق اهداف رؤية قطر الوطنية 2030 وإعداد الاستراتيجية الوطنية الثالثة لمدة خمس سنوات». وأكد على أهمية «تحديد الأولويات في ضوء الاحتياجات الملحة للدولة».
ودعا جميع الجهات المعنية إلى «إعداد استراتيجياتها القطاعية بالاستفادة من المرحلة السابقة بإخفاقاتها ونجاحاتها وتقييم ما حققته الاستراتيجيات الوطنية السابقة في تحقيق اهداف رؤية قطر الوطنية».
ففي مجال بناء الإنسان: تهتم الدول المتقدمة ببناء الإنسان كقاعدة متينة تؤسس عليه كل نواحي التقدم الأخرى، ولذلك جعلت دولة قطر الأولوية لبناء الإنسان عقلا وجسدا وتحصينه بالمعرفة وتزويده بسلاح العلم وأدوات العصر بهدف اعداد جيل المستقبل الواعد، لذا فإن اهداف التنمية في رؤية قطر 2030 تتمحور حول بناء الوطن والمواطن.
وفي مجال حقوق الإنسان، حرص الدستور القطري على تثبيت مبادئ الديموقراطية والشورى بتوفير كافة الضمانات والحريات للمواطن من اجل حياة كريمة قوامها الحرية والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص في العمل وحق التعبير السلمي عن الرأي.
وفي الشأن الاقتصادي، حققت قطر خلال العقود الثلاثة الماضية طفرة كبرى في شتى المجالات وأحرزت مراكز متقدمة في كافة المؤشرات بشهادة المؤسسات الدولية واحتلت مكانة مرموقة في التنافسية العالمية.
لقد ألقت التأثيرات التي طرأت على الاقتصاد العالمي خلال ازمة جائحة «كورونا» بظلالها على الاقتصاد القطري، غير ان الاجراءات وحزم التحفيز الاقتصادي التي اتخذتها الدولة اسهمت في صمود الاقتصاد القطري.
ففي الربع الثالث من هذا العام حققت الموازنة العامة فائضا لأول مرة منذ الجائحة وذلك بفضل ارتفاع الايرادات النفطية والزيادة التي شهدتها أسعار الغاز.
وفي مجال الأمن الغذائي حققت قطر انجازات كبيرة في الاكتفاء الذاتي، وفي التنويع الاقتصادي، تم ادخال التعديلات التشريعية اللازمة لتسهيل المعاملات التجارية وتعزيز المنافسة ودعم تنافسية المنتجات الوطنية، وفي قطاع الطاقة يأتي تغيير اسم شركة قطر للبترول الى قطر للطاقة لمواكبة التحول نحو الطاقة النظيفة والمتجددة.
وفي السياسة الخارجية، ظلت دولة قطر تضع شقيقاتها دول مجلس التعاون الخليجي على رأس أولوياتها، وقد عبر عن ذلك حضرة صاحب السمو شيخ تميم بن حمد آل ثاني امير قطر المفدى – حفظه الله- في كلمته امام مجلس الشورى، بالقول: «إن علاقات الاخوة والتاريخ والجغرافية تحتم علينا المحافظة على مجلس التعاون والارتقاء بمؤسساته بما يتناسب مع طموحات شعوبنا وقد حرصنا على تجاوز الخلافات داخله بالحوار، كما نسعى إلى ترسيخ الوفاق الذي تحقق في قمة العلا وتطويره».
وأصبحت قطر تلعب دورا بارزا ومؤثرا في محيطها الاقليمي والدولي في كافة القضايا والملفات، ملتزمة في ذلك بالمبادئ والقوانين الدولية التي تقوم على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وفي هذا الصدد قال سموه في كلمته: «لقد عملنا على التوصل الى علاقات جيدة مع جميع دول العالم، مع التشديد على تحقيق تفاهم استراتيجي طويل المدى مع الحلفاء على المستويين الاقليمي والدولي، ولا نسعى في ذلك إلى التنافس مع احد ولا إلى محاكاة احد، بل الى شق طريقنا الخاص بالموازنة بين مبادئنا الراسخة وحدود مقدراتنا ومصالح شعبنا وشعوب منطقتنا».
وفي الأزمة الأفغانية الأخيرة، لعبت دولة قطر دورا إيجابيا وفاعلا حظي بإشادة وتقدير الولايات المتحدة الأميركية ومعظم دول العالم نتيجة لجهود الإجلاء التي قامت بها قطر من افغانستان حيث عملت عن كثب مع شركائها الدوليين لإنجاز هذه المهمة الإنسانية والتي توجت اخيرا بإبرام اتفاقية ترعى قطر بموجبها المصالح الاميركية في افغانستان.
والتعليم هو الركيزة الأساسية لبناء الإنسان، وتولي دولة قطر اهتماما خاصا للتعليم في كافة مراحله، فقد احتلت قطر المركز الأول عربيا والرابع عالميا في مؤشر جودة التعليم الصادر عن منتدى دافوس الاقتصادي العالمي لسنة 2021، وقد ترافق هذا الاهتمام مع افتتاح فروع لكبريات الجامعات العالمية ذات السمعة الطيبة والمكانة الرفيعة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والبحث العلمي، لتكون رافدا لسوق العمل بالكفاءات التي لا تقل في المستوى عن أفضل الكفاءات العالمية بالإضافة لاستجلاب الخبرات الدولية ليستفيد منها ابناء الوطن لقيادة مسيرة المستقبل، وأود الإشارة هنا الى الدور الكبير الذي تلعبه مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع في هذا الإطار والتي ظلت تقدم خدماتها للقطريين من خلال دعم وتفعيل برامج التعليم والعلوم والبحوث وتنمية المجتمع.
وفي مجال الصحة، شهد القطاع الصحي في قطر خلال السنوات الأخيرة نهضة كبيرة وقفزات نوعية على اكثر من صعيد، وذلك انفاذا لاستراتيجية الصحة الوطنية في رؤية قطر الوطنية 2030، حيث باتت قطر تصنف عالميا ضمن البلدان المتقدمة في توفير رعاية صحية متكاملة تضاهي افضل الأنظمة الصحية في العالم، وتمكنت قطر من وضع نظام شامل للرعاية الصحية يقدم خدماته وفقا لأعلى مستويات الجودة والمعايير العالمية من خلال مؤسسات صحية عامة وخاصة تنتهج سياسة صحية وطنية تراقب الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والفنية، بالإضافة الى بناء كوادر وطنية قادرة على تقديم أفضل الخدمات الصحية.
وفي الشأن الرياضي، افتتح حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني امير البلاد المفدى – حفظه الله – في الثلاثين من نوفمبر الماضي الدورة العاشرة لبطولة «كأس العرب قطر 2021» بعد تسع سنوات من التوقف وللمرة الأولى تحت مظلة الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، في حفل بهيج ابهر العالم من حيث التنظيم والإمكانيات وفي نهائيات ستكون بمثابة بروفة مصغرة لبطولة كأس العالم التي ستستضيفها قطر في نهاية 2022 للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، وإن بلادنا اذ تستشرف اقتراب استضافة بطولة كأس العالم «قطر 2022» في نهاية العام المقبل، فإنها على وشك استكمال التحضيرات اللازمة لهذا الحدث الكبير من حيث منشآت البنية التحتية وغيرها من الاستعدادات الأخرى المطلوبة، كما تم انجاز العديد من المشاريع الاجتماعية والثقافية المصاحبة.
وكما قال سمو الامير المفدى أمام مجلس الشورى: «إن هذه البطولة هي مناسبة كبرى ليس لتعزيز مكانة الدولة عالميا وتعزيز التواصل والتعاون بين الشعوب وإظهار طاقات قطر التنظيمية وبنياتها التحتية المتطورة فحسب، بل ايضا لإظهار انفتاح الشعب القطري المضياف وتسامحه، وإظهار الوجه الحقيقي الناصع لشعوب الخليج والعرب عموما».
إن علاقة دولة قطر بدولة الكويت الشقيقة تأتي في صدارة اهتماماتنا بتوجيهات سامية من حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر المفدى -حفظه الله-، فأنا في بلدي الثاني «الكويت».. وإن الحديث عن العلاقة الأخوية الراسخة والوطيدة بين البلدين والشعبين الشقيقين هو أمرٌ أثبتته الأيام والوقائع عبر مواقف مشرفة سجلها التاريخ بمداد من نور.
وستظل التوجيهات السامية ببذل قصارى جهدنا لكل ما فيه منفعة وخير البلدين والشعبين الشقيقين نبراسا نقتدي به في العمل على ترقية وتعزيز هذه العلاقات الطيبة في كافة المجالات في ظل القيادة السياسية الحكيمة في كلا البلدين الشقيقين لما فيه مصلحة وتقدم ورخاء الشعبين الشقيقين.
ويسرني في هذا المقام أن أعرب لحضرة صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الشقيقة عن إشادتنا بالجهود الصادقة التي بدأها المغفور له الشيخ صباح الأحمد، واستكملها سموه لحل الأزمة الخليجية حتى تكللت بالنجاح في «قمة العُلا» وتوجت بنتائج مثمرة حققت المصالحة الخليجية وبالتالي ضمان الأمن والاستقرار لدول مجلس التعاون الخليجي وللمنطقة برمتها.
كما يسعدني أن أتقدم بأسمى آيات التهاني وأصدق التمنيات لصاحب السمو أمير دولة الكويت الشقيقة بمناسبة الذكرى الأولى لتوليه مقاليد الحكم في البلاد، ولولي عهده الأمين سمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح بمناسبة مرور عام على توليه ولاية العهد.
كما لا يفوتني أن أعرب عن تهانينا الصادقة للقيادة السياسية على نتائج ومخرجات الحوار الوطني الذي تمت إقامته مؤخرا بتوجيهات سامية من صاحب السمو أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح والتي توجت بتهيئة الأجواء لتوحيد الصف الوطني وتعزيز التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية تحقيقا للمصلحة العليا للبلاد ودعم الاستقرار السياسي فيها.
لا يزال العالم أجمع يعاني من جائحة كورونا ويعمل بكل جهد ممكن لمكافحتها، وقد نجحت دولة قطر، بما اتخذته من إجراءات احترازية ووقائية صارمة، في احتواء هذه الجائحة والتقليل من آثارها إلى الحد الأدنى، وكانت من الدول القليلة التي تجاوزت هذه المحنة وذلك بفضل النجاح الذي حققته مؤسساتها الصحية.
وفي الختام، يطيب لي أن أتقدم لكافة وسائل الإعلام بدولة الكويت الشقيقة بجزيل الشكر والامتنان على ما تبذله من جهد مقدر في التغطية المتميزة لما يجري في بلدهم الثاني قطر وعلى الدور البناء الذي تقوم به في توطيد علاقات التعاون بين البلدين الشقيقين حيث إن الإعلام يعتبر من أهم الوسائل في هذا العصر ويمكنه لعب دور ايجابي بارز في تمتين أواصر الاخاء لمصلحة الشعبين الشقيقين، متمنيا لهذه الوسائل التوفيق والنجاح وهي تقوم بدورها البناء والمتوازن ما جعل دولة الكويت تحظى بكل الاحترام والتقدير الوفير إقليميا وعربيا ودوليا.
وفق الله قادتنا على التعاون والتكاتف لتحقيق طموحات شعوب الخليج في الاتحاد والوحدة لتكون قادرة على صنع مستقبل يسوده الأمن والأمان والرخاء.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،