يعتبر يوم 13 مايو 2008 يوما أليما في صفحات تاريخ الكويت، حين فقدت البلاد رمزا من رموزها الوطنية البارزة سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، بعد رحلة طويلة من العطاء المخلص لوطنه وأبناء شعبه.
سبع سنوات مرت على رحيل سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله، وأفعاله وإنجازاته ومآثره لاتزال حاضرة وراسخة في قلوب وعقول تأبى نسيان شخصية محورية وعظيمة في تاريخ وطن كان فيه سمو الأمير الراحل رمزا من رموزه الكبار الذين لم يتوانوا في فداء الوطن بأنفسهم وارواحهم في سبيل كل ما من شأنه اعلاء ورفعة اسم الكويت.
فرحلة سمو الأمير الوالد الحافلة بالعطاء للكويت وأهلها توقفت في يوم 13 مايو 2008، لتخلده أفعاله ومواقفه الوطنية التي سيتذكرها الكويتيون بكثير من التقدير لشخصية فضلت مصلحة الوطن على اي مصالح آنية أو شخصية.
ولا يسع المتتبع لسيرة الراحل في الذكرى السابعة لوفاته، إلا أن يقف إكبارا وإجلالا للجهود الجبارة التي بذلها المغفور له بإذن الله الشيخ سعد العبدالله في سبيل الذود عن الكويت وحمايتها من الأطماع الخارجية والتأكيد على وحدة صف شعبها ولحمته.
وكانت بصمات الفقيد واضحة في وضع دستور الدولة الحديثة، حيث شارك في لجنة صياغة الدستور وحرص على أن يثري الجلسات بنقاشات تهدف إلى الصياغة المثلى للدستور بما يضمن شرعية الدولة وحقوق مواطنيها على حد سواء.
وكان صاحب السمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد زكى سمو الشيخ سعد وليا للعهد عام 1978، وفي فبراير من ذلك العام تم تعيينه رئيسا لمجلس الوزراء، حيث كلف بتشكيل الوزارة العاشرة في تاريخ الكويت عام 1978 ونودي به أميرا في 15 يناير 2006 عقب وفاة سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد.
وكانت بداية سمو الأمير الوالد (رحمه الله) في العمل السياسي العام مبكرة تماما، حيث كان سمو الشيخ سعد العبدالله قد تلقى تعليمه العام في الكويت، ثم سافر إلى انجلترا عام 1951، والتحق بكلية «هاندن» العسكرية ثم استكملها بدورات متخصصة في علوم الأمن والشرطة والتي انتهت عام 1954، وبدأ مهامه الوظيفية في دائرة الأمن العام، وتدرج في مختلف المناصب بجهاز الشرطة والأمن العام، وكان مثالا للإخلاص والتفاني في العمل، حتى عين نائبا لرئيس الشرطة العامة التي كان يتولى عمه المغفور له الشيخ صباح السالم رئاستها، واستمر في هذا المنصب حتى عام 1959م، ثم انضمت الشرطة للأمن العام حيث تولى الشيخ سعد، رحمه الله، منصب نائب رئيس الشرطة والأمن العام، وكان يتولى رئاستها آنذاك المغفور له الشيخ عبدالله المبارك.
قائد من طراز نادر
في عام 1964 أسندت اليه وزارة الدفاع بالاضافة إلى منصب وزير الداخلية، وقد سجل له التاريخ انه من أبرز صانعي السياسة الكويتية في مجالي الأمن والدفاع، فهو اول وزير للداخلية وثاني وزير للدفاع في ظل الدستور، وكان يتمتع بإحساس عميق بالمسؤولية، وهو ما أكدته الأحداث التي مرت بها الكويت حيث تفانى في خدمة بلاده، وحرص على حماية مصالح الوطن العليا، وكان مدركا لمدى المسؤولية الملقاة على عاتقه، وعاتق مسؤولي وزارتي الداخلية والدفاع نحو توفير المزيد من الاستقرار والأمن والطمأنينة للجميع.
لقد كان سموه، رحمه الله، وقبل ان يتقلد هذين المنصبين الرفيعين ليصبح الرجل الثاني في الكويت، وبعد ذلك ودوما، رجل المواقف الصعبة.
كان سموه منذ البداية مدركا لمدى مسؤولية القيادة وأمانتها، وان القيادة هي اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب مهما تكن صعوبة القرار وايا كانت تبعاته، وقد أكدت الاحداث التي مرت بها الكويت، ان سموه رجل مواقف، وانه قائد من الطراز الاول، وصاحب قرار صائب حتى لو شكل هذا القرار تهديدا لسلامة سموه، واذ نعرض لغيض من فيض من مواقف سموه التي لا تعد ولا تحصى، فإنما نسجلها كأمثلة لمواقف سموه رحمه الله ونترك للتاريخ سجل سموه الحافل بالمواقف الرجولية المشرفة التي ستخلد ذكراه:
ـ حين تعرضت الكويت لتهديدات حاكم العراق عبدالكريم قاسم اثر اعلان استقلالها مباشرة عام 1961م احتشدت جموع الكويتيين حول أمير البلاد وقتذاك المغفور له سمو الشيخ عبدالله السالم الذي رفض التهديد، وأكد ان الكويتيين، كالعهد بهم دوما، مستعدون للدفاع عن وطنهم مهما كانت التضحيات. وفي ذلك اليوم، يوم الحشد الجماهيري الواسع، كان رحمه الله حريصا على الحضور باستمرار إلى جوار أمير البلاد، لاسيما ان امن الدولة كان ضمن مسؤولياته.
الوفاء الدائم
على اثر انتقال الأمير الراحل الشيخ صباح السالم إلى رحمة ربه، وتولي سمو الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، مسند الإمارة، اصدر سموه، رحمه الله، امرا أميريا بتاريخ 8 فبراير 1978 بتعيين الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، رئيسا لمجلس الوزراء، ثم صدر المرسوم الأميري بتشكيل اول وزارة يرأسها الشيخ سعد العبدالله في فبراير 1978، وفي الثامن عشر من فبراير 1978م صدر أمر أميري بتعيين الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، وليا للعهد، وتبعا لما اتصف به سموه من وفاء دوما، عبر سموه أصدق تعبير عن معاني الوفاء للراحل الكبير في اول كلمة بعد توليه مهام منصبه كولي للعهد ورئيس للوزراء في العيد الوطني. وقد واجه سموه، رحمه الله، طوال حياته السياسية ظروفا وتحديات داخلية وخارجية عدة استطاع ان يبدي خلالها اداء رفيعا ومقدرة وحنكة. ورأس سموه إحدى عشرة حكومة في تاريخ الكويت على مدى 52 عاما وفقا للتسلسل التالي: 1978، 1981، 1985، 1986، 1990، 1991، 1992، 1996، 1998، 1999، 2001. وفي 15 يناير 2006 نودي به أميرا لدولة الكويت عقب وفاة سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد (رحمه الله) واستمر حتى 29 يناير 2006 عندما انتقل الحكم إلى صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد.
بطل التحرير
كان سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، مقاتلا صلبا ومدافعا عنيدا عن الحق الكويتي عندما وقعت كارثة الاحتلال الصدامي للكويت وبذل سمو الشيخ سعد العبدالله خلال فترة الاحتلال الصدامي للكويت في عامي 1990 و1991 جهودا جبارة للدفاع عن الحق الكويتي في جولاته على الدول الشقيقة والصديقة وشرح قضية شعب الكويت العادلة، ما كان له الاثر الواضح في وقوف تلك الدول إلى جانب الكويت، كما كان لكلمات سموه للشعب الكويتي اثناء محنة الاحتلال مردودها الايجابي في شحذ الهمم ورص الصفوف لدحر العدوان ورد كيد المعتدي. وتمثل تحرك سموه منذ اللحظات الاولى للعدوان الصدامي في إصراره على مغادرة سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الاحمد رحمه الله إلى السعودية لأن وصول القوات العراقية إلى أمير البلاد ورمزها كان يعني انهيار الروح المعنوية لدى افراد الشعب ولأن وجود رمز البلاد في الخارج يعني استمرار المقاومة وحرية الحركة لحشد الرأي العام الدولي والاسلامي والعربي حول قضية الكويت وسرعة تحريرها، فحفظ للكويت سلطتها الشرعية أمام العالم ودفع بالمقاومة إلى التحرك في الداخل والخارج وتولى بعد التحرير مسؤولية إعادة مرافق الدولة للعمل بكل كفاءة وسرعة وفرض الأمن والنظام ومعالجة المشاكل التي خلفها الاحتلال.
مؤتمر جدة
وكانت هناك علامة بارزة في تاريخ الكويت وهي انعقاد المؤتمر الشعبي في جدة خلال الفترة من 13 إلى 15 اكتوبر من العام 1990 والذي نبعت فكرته من سمو الأمير الوالد، حيث طرحها في اثناء زيارته إلى المملكة المتحدة ولقائه مع ابناء الكويت في لندن في الاسبوع الاول من شهر سبتمبر 1990 اي بعد نحو شهر من وقوع الاحتلال الصدامي.
وبعد عودة سموه إلى الطائف، عرض الأمر على سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد رحمه الله فباركها وايدها وبدأت الإجراءات لتشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر وباشر سموه جميع الاجراءات بنفسه بدءا من الاجتماع مع اللجنة التحضيرية واعداد جدول الاعمال ومقابلة بعض الشخصيات الكويتية التي ستحضر المؤتمر وتوضيح فكرته والاتفاق على شعاره إلى اصدار الدعوات باسم سموه إلى جميع المشاركين، وبلغ عدد المشاركين 1200 شخصية كويتية تمثل مختلف القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية اضافة إلى عدد من الشخصيات الاجنبية ونحو 433 من رجال الصحافة والاعلام لتغطية احداثه وترأس سموه المؤتمر، ورفع المؤتمر شعار «التحرير.. شعارنا.. سبيلنا.. هدفنا».
وألقى سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد كلمة الافتتاح وألقى سمو الشيخ سعد العبدالله رئيس المؤتمر كلمة في اليوم الأول ثم ألقى سموه كلمة في ختامه.
وصدر عن المؤتمر بيان ختامي يشمل 19 بندا ثم تكونت لجنة من 29 عضوا بدعوة من سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله وبرئاسته لتشكيل هيئة استشارية عليا برئاسته لمتابعة تنفيذ التوصيات والقرارات، ومع تحمل سموه الأعباء والمهام الجسام التي كانت موكلة اليه خلال فترة الاحتلال الصدامي الغاشم للكويت والتي اداها بكل صدق وتفان فإن ذلك كله لم يؤثر على مهامه الاساسية كولي للعهد ورئيس لمجلس الوزراء والتي تمثلت خلال هذه الفترة في رئاسة اجتماعات مجلس الوزراء الذي كان في حالة انعقاد شبه مستمر، في مدينة الطائف خلال فترة الاحتلال وذلك لإدارة شؤون البلاد والمواطنين في الداخل والخارج وتميزت هذه الفترة بأهمية الموضوعات التي كان يناقشها المجلس وحيويتها والسرعة والدقة في القرارات التي تم إنجازها.