منذ الغزو الغادر لجحافل المقبور صدام حسين، لم تتعرض الكويت لمحنة قاسية كالتي تعرضت لها يوم الجمعة الماضي، من خلال ذلك التفجير المروع الذي استهدف الركع السجود بمسجد الإمام الصادق، في الشهر الذي نزل فيه القرآن، وفي يوم يعده المسلمون عيدا أسبوعيا لهم، لتتطاير أجساد الشهداء وتختلط دماؤهم بالمصاحف، في مشهد يعز على الوصف، ويشق على النفس أن تراه في وطن عرف طوال تاريخه بتسامحه وطيبته وكراهيته للعنف ونبذه للتعصب من كل لون.
في دولة أخرى ومجتمع آخر، ربما كان هذا المشهد الدامي المفجع كفيلا بإطلاق شرارة عنف لا تنتهي، والدخول في دوامة إرهاب وفوضى تبتلع تلك الدولة ابتلاعا، وتقودها إلى الضياع والدمار، كما جرى في دول عديدة من حولنا… لكن ذلك لم يحدث في الكويت، بل إن الحادث الأليم فجَّر كوامن المحبة بين أبناء شعبنا، وزادهم تقاربا وتآلفا… وكلنا شاهدنا صاحب السمو الأمير وهو ينطلق إلى مسجد الإمام الصادق، فور سماعه الخبر، من دون إعداد مسبق، أو ترتيب للحراسة الضرورية في ظرف كهذا. كان كل ما يعنيه أن يكون في تلك اللحظات العصيبة مع أبناء شعبه، ليوصل إليهم رسالة بأنه يؤلمه ما يؤلمهم، ويستشعر ما يستشعرونه من غصة في حلوقهم وقلوبهم.
وقد رأينا أيضا كيف تدفقت آلاف مؤلفة من المواطنين إلى مقبرة الصليبخات، للمشاركة في تشييع الشهداء، وكيف كان الجميع يواسون بعضهم بعضا، فالمصاب واحد، وكلهم أهل وإخوة لا يفرق بينهم شيء.
وعلى الرغم من أنها لحظات ترتج فيها العقول وتتحير الألباب، فإن شعبنا قد أظهر قدرا كبيرا من الثبات والتماسك، وتمكن هو من إدارة المحنة، ولم يتركها لتديره أو توجهه وتتلاعب به، ولم تصدر عن أحدهم لفظة واحدة يشتم منها رائحة فرقة أو فتنة، بل كان كالعهد به عند حسن ظن العالم كله به، وسجل موقفا رائعا ورائدا في الصبر والقوة والعزيمة، والإصرار على مواجهة هذه المحنة، والخروج منها أقوى مما كان، ورفض الانجرار إلى فتنة دبرها الكارهون له والمتربصون به، بل أكد للجميع أن وحدته الوطنية هي سوره الواقي من أي شرور، وأنها الكفيلة بحمايته والحفاظ على أمنه واستقراره.
لقد روى شهداء «الإمام الصادق» أرض المسجد الطاهرة بدمائهم الزكية، وأسلموا أرواحهم إلى بارئهم وهم أقرب ما يكونون إلى الله، صائمين قائمين، ركعا وسجودا، ساعين بالخير لأنفسهم ولوطنهم ولأمتهم، فأي شهادة أعظم من هذه؟
رحم الله شهداء الكويت، وأثابهم خيرا، وبدّلهم أهلا خيرا من أهلهم، وأسكنهم الفردوس الأعلى مع الشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا… وحفظ الله الكويت وأدام عليها نعمة الأمن والأمان والاستقرار، ونعمة الوحدة الجامعة التي لا تعرف الفرقة أو الفتنة أبدا، بإذن الله.