لم يكن المصلون الصائمون في مسجد الإمام الصادق بمنطقة الصوابر وحدهم هم هدف الجريمة النكراء التي وقعت يوم الجمعة الماضي… كانت الكويت كلها هدفا لتلك الجريمة ولمن خطط لها ودبرها ومن نفذها.
هذه الفجيعة التي أدمت قلوب الكويتيين جميعا، وجللت يومهم بالسواد، وأقامت مأتما في كل بيت من بيوتهم، أريد بها أن تفرقهم، وأن تزرع بذور الفتنة بينهم، وأن تزعزع وحدتهم، وتبدد تضامنهم وتكاتفهم، وتمحو ما بينهم من تآلف وتواد وإخاء.
غير أن الكويتيين قدموا لهؤلاء الإرهابيين، أصحاب الفكر الأسود والقلوب السوداء، وللعالم كله أيضا، درسا عظيما في الوحدة ورص الصفوف، والإصرار على رفض الفتنة مهما كانت التضحيات. صحيح أن المصاب كان عظيما وفادحا، وصحيح أيضا أن كل شهيد سقط على أرض المسجد يعدل في نظرنا الدنيا بأسرها، لكن ذلك كله لن يكسر الكويت، ولن يهزم إرادة الكويتيين، أو يجعلهم يرفعون الراية البيضاء أمام ذلك الإرهاب الأسود الذي يستبيح الدماء والأنفس والحرمات.
نعم نحزن، وتدمع عيوننا، وتُدمى قلوبنا، لكننا أبدا لن نعرف الهزيمة أو الانكسار، ولن نسمح للفتنة بأن تجد مكانا بيننا… نعم مصابنا كبير وجلل، لكن المصاب سيكون أكبر وأجل لو أننا تركناه يفعل فعله في نفوسنا، ويحقق أهداف ومرامي البغاة الفجرة الذين لا يرعون في مسلم ولا في إنسان أيا كان دينه أو عرقه إلّا ولا ذمة.
وفي المقابل فإن ذلك ليس معناه أن نسكت أو نتجاهل ما حدث، بل على العكس فنحن مطالبون بدراسته جيدا وبعمق لكي نتفادى تكراره مستقبلا… غير أن المطلوب على وجه السرعة الآن هو المزيد من الاحتياطات والاحترازات الأمنية على المساجد والكنائس والأسواق والمجمعات التجارية، حتى لا ينفذ إليها إرهابي جديد يحصد أرواح أبرياء آخرين بتفجيرات دنيئة مماثلة.
وبالقدر نفسه فإن علينا أن نسعى إلى تجفيف منابع التطرف والإرهاب، وتشديد الرقابة على الخطب والدروس الدينية، حتى لا يتسلل إليها أصحاب فكر الغلو والتطرف، كما أن مطلب تنقية مناهجنا التعليمية من كل ما يكرس الفرقة والانقسام أصبح الآن «فرض عين» لا بد من القيام به، قبل أن نجد أنفسنا نسير في اتجاه خطير عرفته دول قبلنا، ولم تحصد من ورائه إلا الخراب والدمار والهلاك.
لقد أطلق سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد نداء وجهه إلى جميع المواطنين، في كلمته أمام ضباط الشرطة قبل أيام، عندما أكد أن «تحقيق الأمن والاستقرار هو مسؤولية يشترك فيها الجميع، فكل مواطن خفير».. وما أحرانا بأن نطبق هذا الشعار الآن من دون إبطاء أو تسويف، فالأسرة مسؤولة عن تعليم أبنائها وتعويدهم على التسامح وقبول الآخر، مهما تكن درجة الاختلاف معه في الدين أو المذهب أو العرق أو اللون أو الثقافة». والمعلم في مدرسته وأستاذ الجامعة في جامعته مسؤولان أيضا عن ترسيخ هذه المعاني والقيم في نفوس أبنائهما الطلبة… وهكذا أيضا إمام المسجد ووسائل التثقيف والإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي وغيرها.
إننا أمام الاختبار الأخطر والأقسى الذي نواجهه في السنوات الأخيرة، لأنه اختبار يهدد وجودنا ذاته، ويهدد مستقبل أولادنا وأحفادنا، لكننا واثقون بأننا سننجح فيه كما نجحنا من قبل في مواجهة اختبارات أشد وأنكى. ونعتقد أن رؤية صاحب السمو الأمير، وهو يصر على أن يذهب بنفسه إلى مسجد الإمام الصادق، عقب وقوع الحادث بوقت قصير، ويتفقد آثاره، ويبدو عليه هذا التأثر الشديد بما وقع لأبنائه المصلين، قد أبطل كل مفعول سلبي للحادث، وأكد للعالم كله أن الكويت كانت وستظل أقوى من المحن، وأكبر من أن تجرها حفنة من البغاة إلى مستنقع الفتنة الآسن.
وما أكده سموه عقب تفقده المسجد زاد يقيننا أيضا بأننا ماضون في الطريق الصحيح، خصوصا عندما وصف سموه هذا العمل بأنه «محاولة يائسة وسلوك شرير ومشين لشق الصف واجتماع الكلمة، وتأكيده بأن «وحدتنا الوطنية هي السياج المنيع لحفظ الأمن»، وكذلك دعوته إلى «عدم إعطاء الفرصة لاستغلال هذا العمل الإجرامي وتداعياته، لبث الفرقة وضرب الوحدة الوطنية وترويج الإشاعات المغرضة»… كل ذلك يمنحنا الطمأنينة بأن الكويت ستظل على العهد بها مهدا للوحدة الوطنية، ومقبرة لبغاة الفتنة الأشرار.
إننا إذ نحتسب كل الذين ماتوا في هذه الجريمة النكراء شهداء بررة «أحياء عند ربهم يرزقون»، فإننا نعاهدهم أن نبقى أوفياء لما ماتوا من أجله، وأن نظل مستمسكين بالعروة الوثقى، عروة الوحدة والإخاء والسلام، قابضين على جمر الوطن، رافضين لكل ما يستهدف جمعنا وتماسكنا وارتباطنا الأزلي الذي لن تنفصم عراه أبدا.