لم يكن السبت الماضي يوما عاديا في تاريخ مصر، فقد شهد هذا اليوم تحولا كبيرا في حياة مصر والمصريين، حيث عبرت بنجاح أول سفينة أجنبية قناة السويس الجديدة، في إطار التشغيل التجريبي للقناة، وهي السفينة التي كانت ترفع علم سنغافورة، وحمولتها 133 ألف طن، بغاطس 41.8 قدم، قادمة من الجنوب، في طريقها إلى الشمال، وسط إجراءات مشددة من هيئة قناة السويس.
احتفاء المصريين بهذا الحدث المهم لا يرجع فقط إلى نجاح تجربة التشغيل التجريبي لعبور السفينة، وإنما لأنه شكل تحديا كبيرا لإرادة هذا الشعب، لا يقل عن التحدي الذي شكله تحدي تأميم قناة السويس، في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر؛ فالقناة الجديدة كانت بدورها أقرب إلى الحلم، حين أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي إنشاءها، ودعا أبناء شعبه إلى التبرع لهذا الغرض، وبالفعل تسابق المصريون لإخراج إيداعاتهم من البنوك أو مدخراتهم في البيوت، وخلال فترة زمانية قياسية كان المبلغ المطلوب قد استُكمل وزاد على المعدل المستهدف.
بعدها بدأ تحدٍّ من نوع جديد، فقد طلب الرئيس من القائمين على المشروع إنجازه خلال عام واحد، وبدا ذلك بالنسبة لكثيرين ضربا من المستحيل؛ إذ كيف تمكن إقامة مثل هذا المشروع «الحلم» في سنة واحدة؟
غير أن المصريين يثبتون دائما، أمام التحديات الكبرى، أنهم أهل للثقة، وقادرون على اجتراح المستحيل، وتحويل الأحلام إلى حقائق على أرض الواقع، ففي خلال سنة أو أقل كان المشروع قد اكتمل، وعبرت أول سفينة القناة الجديدة، تمهيدا للافتتاح الرسمي خلال أيام، في احتفال دعت إليه مصر كثيرا من زعماء العالم.
هذا المشروع أيضا ليس منفصلا عن الإطار النهضوي الذي تتحرك مصر في دائرته الآن، لتستعيد ريادتها الإقليمية، وقد رأينا خلال الأيام الماضية أيضا التحرك الذي قام به وزير الخارجية المصري سامح شكري، في جولة خليجية زار خلالها كلا من السعودية والإمارات والكويت، وأجرى مع وزراء خارجية الدول الثلاث مباحثات مهمة تناولت أبرز الملفات الإقليمية (اليمن وسورية والعراق وليبيا)، إضافة إلى ما يتعلق بتداعيات الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران أخيرا مع الدول الست الكبرى. وقد جاءت هذه الجولة أيضا في أعقاب زيارة مهمة قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى مصر، وأدلى خلالها بتصريحات رد بواسطتها – وبشكل عملي – على اللغط الذي أثاره البعض أخيرا حول علاقة مصر بالسعودية وسائر الدول الخليجية، مؤكدا أن مصر هي «الرقم الصعب» الذي لا يمكن لأحد أن يتجاهله، في معالجة أزمة اليمن أو غيرها من أزمات المنطقة.
هكذا تستعيد مصر شيئا فشيئا وضعها الطبيعي، ومكانتها اللائقة والمستحقة، دولة كبيرة رائدة، وبعودتها تستعيد المنطقة العربية كلها توازنها، بما يساعد – بكل تأكيد – على معالجة أزماتها ووضع حد لصراعاتها المستفحلة، وبداية عهد جديدة من الاستقرار والأمني والسياسي، وهو ما ينتظره ويتمناه الجميع.