كانت ردود الافعال داخل الاوساط الاقتصادية متباينة على قرارات بنك الكويت المركزي الأخيرة بشأن إدخال تعديلات على تعليمات أسس وقواعد منح القروض الاستهلاكية، حيث جاءت غالبيتها مؤيدة للقرارات التي يشار إلى انها ستنعكس ايجابيا على منظومة العمل المصرفي في البلاد لتحقق التوازن بين العميل والبنك من خلال المرونة المطلوبة والشفافية المنشودة.
خبراء قالوا ان القرارات الجديدة التي تخص قطاعا عريضا من عملاء المصارف المحلية وهم عملاء القروض الاستهلاكية، حملت جملة من الأهداف الإيجابية التي يصبو إليها الطرفان (العميل، والبنك) والتي تنعكس إيجابا في النهاية على حركة النشاط الاقتصادي في البلاد، فمن جهة ستستعيد البنوك أموالا متأخرة لدى العملاء من خلال إعادة جدولة القروض، ومن جهة أخرى يتم منح العميل الحرية في الحصول على العديد من فرص التمويل، إضافة إلى حرية الانتقال من بنك إلى آخر شريطة الانتظام في السداد بنسبة لا تقل عن 30 في المائة من عدد أقساط العميل.
وأضاف المصرفيون ان هذه التعليمات الجديدة ستعمل إجمالا على تنشيط السوق والحركة الاقتصادية، مزيد من التفاصيل في التحقيق الآتي:
قال رئيس مجلس إدارة مجموعة أرزان المالية جاسم زينل ان تعليمات البنك المركزي الجديدة هدفت إلى تعزيز الشفافية والوضوح للعملاء، لاسيما أنه بذلك أزال اللبس والغموض الذي كان يعتقده العميل في العقود ليؤكد المركزي على الشفافية والوضوح التامين في هذا الخصوص.
وأضاف ان ما يميز القرار الجديد هو اتاحة الفرصة للعميل لمراجعة شروط العقد المبرم مع البنك نظير القرض ومنحه يومين للمراجعة، بحيث يكون لديه المعلومات الكافية حول الآليات والشروط للحصول على القرض وآليات السداد، معتبرا ان هذا القرار يعد من صالح العميل في نهاية المطاف.
وأشار إلى ان القرار أعطى العميل كذلك فرصة في إعادة هيكلة القرض، وكذلك فرصة استفادة من الحصول على قرض آخر والانتقال من بنك إلى بنك، مشيدا بزيادة الحد الأقصى للاستحقاقات الشهرية من راتب المتقاعدين من 30 إلى 40 في المائة، حيث تمكن العميل من استخدام نسبة الزيادة الـ 10 في المائة للاستفادة منها، ومن أهم تلك الفرص والمزايا التي يتضمنها القرار السماح للمقترض المنتظم في سداد ما لا يقل عن 30 في المائة من عدد أقساطه بطلب إعادة ترتيب شروط العقد والحصول على قرض جديد.
من جهته اشاد نائب رئيس مجلس ادارة مجموعة عربي القابضة حامد البسام بقرار البنك المركزي الخاص بالموافقة على اعادة ترتيب شروط العقد القائم بين العميل والبنك بما يمكنه من الحصول على قرض جديد، مشيرا إلى ان الاقتراض اصبح اداة لمواجهة الظروف الطارئة أو لتسهيل عملية المعيشة ورفع المستوى الاجتماعي، ولتحقيق ذلك على البنوك بمساعدة البنك المركزي التساهل في منح القروض لعملائها.
ولفت إلى ان القرار الجديد سيتيح المجال للمقترض المتعسر لاعادة ترتيب اوضاعه، لاسيما في ظل تشدد البنوك في عمليات القروض خلال فترة الازمة وما بعدها ما دفع البعض إلى الاتجاه إلى القنوات التمويلية غير المطبقة للقوانين وهو ما تسبب في حدوث حالة من الهرجة داخل سوق التمويل.
وأضاف ان حل مشكلة المقترضين امرا ملحا وضروريا، حيث ان بقاء تلك المشكلة سيؤدي إلى مشاكل اجتماعية واسعة ولهذا فإن حل مشكلة القروض لم يعد فقط امرا اساسيا لاصلاح الاوضاع الاقتصادية للمواطنين، بل اصبح الطريق الوحيد لاعادة الحياة للعديد من البيوت الكويتية التي لم يعد اهلها يمارسون حياتهم الطبيعية بسبب ثقل الدين وتعقيد الاجراءات المتعلقة بهذا الشأن.
قال البسام: ان خطوة «المركزي» جيدة إلى حد كبير وان التوقيت مناسب والسوق سيشهد تحركا واسعا ونشاطا خلال الفترة المقبلة على وقع القرار.
ويرى استاذ التمويل جامعة الكويت عادل الوقيان ان المصارف المحلية ستستفيد من قرارات «المركزي» لتعديل بعض ضوابط القروض الاستهلاكية والتمويل لعدة اسباب رئيسية اولها استعادة أموال متأخرة عند العملاء عن طريق اعادة الجدولة، الثاني انها تريد ان تحصل على عائدات عن طريق المرونة في الإقراض بما يعزز من الربحية على الأموال المتخمة في الخزانة من اموال المودعين والتي بدورها تدفع عنها ما يقارب الـ 3 في المائة عائدات لا بد لها وأن تستثمرها في قروض عن طريق هامش الربح.
وقال الوقيان هناك عنصر ثالث وهو مهم أن عائدات محافظ التمويل والإقراض لدى المصارف تراجعت منذ مطلع الربع الأول من العام الحالي 2015 نتيجة لانخفاض حركة الاقراض بسبب عدم وجود صيغ أو مرونة تساعد المصارف على الاستفادة من العملاء اصحاب المعاشات كونهم يخضعون للمصرف المحول إليه الراتب باستثناء معاملات القطاع التجاري لدى بعض المصارف الإسلامية وهو ما يعوق حركة انتقال العميل إلى مصرف آخر للاستفادة بقرض اضافي في ضوء النسبة المقررة، مشيرا أن تلك التعديلات فتحت النافذة امام المصارف لتحرك العملاء فيما بينها لإجراء معاملات تمويل وهو ما يعزز من نشاط محافظ القروض برفع العائدات عليها لدى المصارف.
وحول استفادة السوق من تلك التعديلات أوضح الوقيان ان الحركة التجارية ستنشط بشكل غير مباشر نتيجة للسيولة المحولة عن طريق القروض لجيوب العملاء وإنفاقها في السوق الاستهلاكي، سواء لتأثيث منزل أو شراء سيارات أو آلات أو معدات ومعلوم أن التسهيلات الائتمانية تعود دائما بالنشاط على السوق التجاري حيث تنشط حركة الرواج في المنتجات المحلية وفي الشركات التي بدورها تستفيد من الإنفاق الشخصي.
وألمح إلى أن هناك عناصر سلبية لتسهيل التمويل الاستهلاكي لبعض من ينفقون القروض في الترفيه أو شراء لوازم غير مهمة تنعكس ايجابا على العميل كبناء بيت أو شراء عقار أو انشاء مشروع مدر كغيرها من المصروفات التي تفقد في السفر والرحلات والترفيه وغيرها من منافذ الإنفاق الاستهلاكي للمدخرات والقروض دون جدوى، وبعدها يتحمل الشخص تداعيات نقص الراتب لما يستقطع من المعاش للقرض الذي لم يعد عليه بالنفع والبعض ممن يفقد عمله لأي سبب، خاصة من يعمل في القطاع الخاص ممن يتم تسريحهم ويعجزون عن السداد وبذلك يقع تحت كارثة عدم السداد والعجز، وهو اكثر السلبيات التي يتم وضعها محل اهتمام المصارف والتي اضطرت لقبول وثائق للتأمين على القروض حتى تضمن اقل المخاطر.
وقال الخبير الاقتصادي سليمان العطار: ان القرار الجديد سيعمل على تنشيط حركة السوق وسيساهم في دفع عجلة المنظومة الاقتصادية، لاسيما ان القرار سيشجع المقترض على الاستثمار في حال حصوله على السيولة اللازمة للدخول في فرص استثمارية مناسبة، وهو ما سيثري السوق وسيحرك مياهه الراكدة، بيد ان العطار رأى ان القرار لم يكن واضحا إلى حد كبير، حيث لم يذكر التفاصيل الخاصة ببعض الشرائح وهل سيشملهم القرار ام لا.
واضاف: لم يوضح القرار الوضع بالنسبة للشخص الحاصل على ثلاثة أو اربعة قروض، مطالبا المسؤولين بعرض شرح مفصل لبنود القرار حتى يتسنى للمقترض الاستفادة منها، مبينا ان القرار سيصب في صالح السوق وسيفتح المجال امام المقترض الذي وصل إلى السقف الاعلى من مبلغ الاقتراض إلى اعادة الكرة مرة اخرى ما سيساهم في انعاش السوق.
في السياق ذاته قال العطار: ان القرار سيقضي على الكثير من الظواهر السلبية التي انتشرت في السوق، حيث ان التشدد مع المقترضين ادى إلى بروز التكييش، تلك الظاهرة السلبية التي انتشرت خلال الفترة المنصرمة في القطاع المصرفي، هذه الظاهرة مثالا على الاستغلال السيئ لقانون بنك الكويت المركزي الذي بموجبه أوقف عمليات اعادة جدولة القروض على المواطنين مما جعل المواطنين يلجأون إلى مكاتب التكييش التي تقوم بسداد قروض المواطنين القديمة بمقابل مادي مبالغ فيه مع اخذ ضمانات بإرجاع المبالغ بعد الحصول على قرض جديد من البنك.
ووصف العطار خطوة المركزي بالاستباقية بالرغم من تأخرها داعيا إلى اتخاذ خطوات وقرارات مماثلة في جميع قطاعات الدولة الاخرى مثل العقار والاستثمار.
قال الخبير الاقتصادي والعقاري سليمان الدليجان: ان قرار البنك المركزي الذي صدر أخيرا بخصوص السماح للعميل بحصوله على قرض جديد في حال قام بسداد 30 في المائة انه سيحرك السوق إلى حد ما ولكن ليس بشكل كبير، كما يتوقع البعض، مشيرا إلى ان السوق العقاري لن يشهد اي تغييرات، لاسيما في ظل تطبيق القانون 11 لسنة 2013 الذي حد من قدرة المواطنين على شراء العقارات، لاسيما في ظل اشتراطات تستلزم دفع 50 في المائة كدفعة اولى للقرض العقاري وعدم حساب الدفعة الاولى من الراتب.
ويرى ان السوق لن يستقيم بتعديل آلية القروض فقط ولكن ايضا بتحفيز عدد من القطاعات مثل قطاع الرهن العقاري الذي يحتاج إلى اقراره بمدد طويلة ووفقا لنسب منخفضة علاوة على التوجه نحو اصدار منتجات عقارية والسماح بالتملك في المناطق السكنية.