يفاجئنا العاهل المغربي محمد السادس، في كل مناسبة يوجه فيها كلمة الى شعبه، بدقة متابعته لشؤون مملكته، إذ إنه دائما يضع الإصبع على مكمن الوجع موجها المسؤولين نحو حسن الأداء الذي يرضي مواطنيه دافعا الى مزيد من المراقبة الشعبية. وفي خطابه الأخير بالذكرى 62 لثورة الملك والشعب من اجل الاستقلال سمعناه يذكر شعبه عشية الانتخابات البلدية بضرورة رفع مستوى مراقبة أداء المجالس المحلية، وعدم الوقوع في فخ البهرجة الإعلامية للمرشحين وأن يكونوا على وعي تام بدور كل منهم في المحاسبة من خلال صناديق الاقتراع، وفي ذلك عودة الى أسس الديموقراطية وممارستها الصحيحة بدءا من أدنى درجات السلم. ما تحدث به الملك في هذا الشأن يدل على مدى متابعته للأمور عن كثب، وهو المعروف بميدانيته ومراجعته تفاصيل المشاريع، حتى بات لدى الجميع في المملكة قناعة بأن العمل الجيد لا بد أن يكون لقي اهتماما من أعلى مراتب السلطة، وبفضل هذه الرؤية تحولت المملكة خلال السنوات الماضية ورشة عمل، وهو ما شكل أيضا مبعث اطمئنان وارتياح كبيرين للمستثمرين كافة، من مغاربة وعرب وأجانب. في المغرب اقترن الاطمئنان الاستثماري باستقرار أمني عملت عليه الأجهزة كافة بتوجيهات من الملك مباشرة الذي جدد في خطابه الأخير التذكير بإستراتيجية بلاده الخاصة بمواجهة الارهاب من دون المس بالحريات الشخصية للمغاربة، وللمقيمين فيها، مشددا على ضرورة تنقية الخطاب الديني من أي شوائب يمكن أن يدخلها عليه المتطرفون، لذلك حدد في خطابه الذين “يحاولون إثارة الشغب والبلبلة داخل المساجد وخارجها، والذين ينخرطون في عصابات الإجرام أو الإرهاب” لأن “لا دين للإرهاب” فهؤلاء يعملون على استغلال بيوت الله للتحريض على القتل والعنف. ولأن هذا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان كل مواطن خفيرا، بنى محمد السادس توجيهه لمواطنيه على مساعدة الدولة في حفظ الامن والاستقرار، فـ «مواجهة التطرف يجب أن تتم وفق مقاربة تشاركية تقوم على تعزيز قيم الانفتاح والتسامح، التي يؤمن بها المغاربة، ويتكامل فيها النهوض بالبعد الاجتماعي والتنموي، مع الدور الديني والتربوي، إضافة إلى الجانب الأمني». بهذه المصارحة الملكية قدم محمد السادس الخطوط العريضة لشعبه للمرحلة المقبلة، كي تبقى عجلة التنمية تدور بالاتجاه الصحيح، مبعدا بلاده عن العواصف التي يشهدها العالم العربي سعيا منه الى حماية مستقبل المغاربة، ولهذا كان خطابه دعوة صريحة لزيادة الوعي الوطني وتحمل المسؤولية الفردية في محاربة التخلف والعمل الجماعي على بناء سد منيع لمواجهة مرض الإرهاب الذي ينخر في الجسد العربي.