من أخطر آثارها تضليل الرأي العام، وإثارة الفتن بين فئات المجتمع المختلفة، والتفرقة بين المواطنين، إنها «الإشاعة»، ومع وجود وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة وتقنياتها الحديثة التي تزداد تطورا وتنوعا لحظة بعد أخرى، مثل تويتر وفيسبوك وإنستجرام وواتس آب وغيرها، أساء طابور خامس استخدامها وسخرها لمثل هذه الأغراض الخبيثة، فيستغل أصحاب النفوس المريضة والوطنية المزيفة، والعقول المغسولة، هذه الظروف الصعبة التي نمر بها، لنشر وترويج إشاعات كاذبة تصب في مصلحة مصدرها الأساسي لغاية أطلقت من أجلها.
«الخليج» ناقشت ظاهرة الإساءة إلى الآخرين عبر المواقع المختلفة من خلال نشر الإشاعات، واثر ذلك في بث الفرقة بين المواطنين.
بداية قال الناشط السياسي الدكتور عبدالواحد الخلفان: الإشاعة التي تبث عبر مواقع التواصل المختلفة جزء من الانفلات الأخلاقي الذي انتشر خلال هذه الأيام عبر ستار يتخفى وراءه من يبث تلك الإشاعات، من خلال اسماء مستعارة (غير صحيحة) ظنا من أصحابها أنهم بهذا التخفي في أمان وبعيدون عن أيدي وقبضة القانون.
وشدد الخلفان على أهمية وجود رادع قانوني لهؤلاء الأشخاص، لكي نوقف هذه الاعتداءات، والإساءات التي أصبحت تمس الجميع، مع مخالفة ما تربينا ونشأنا عليه من عادات وتقاليد، نقلت إلينا عبر الآباء والأجداد من شأنها المحافظة على الأخلاق والعلو بها داخل المجتمع.
وأضاف: هناك فارق كبير بين النقد البناء والقذف المباشر، أو الاعتداء على الآخر في الظلام من خلال « اسم مستعار»، ويجب أن يكون هناك عقاب مشدد عند ثبات تلك الحالات، فما يحدث عبر مواقع التواصل المختلفة سلوكيات غير مألوفة داخل المجتمع الكويتي المسلم، وما نراه من اعتداء على الآخرين ما هو إلا اساليب شاذة، لا نقبل بها.
ولفت إلى أن ساحات المحاكم الكويتية مكتظة بالقضايا والدعاوى من هذا النوع، حتى إنه يقال إن عدد القضايا المرفوعة في هذا الشأن قاربت على 50 ألف دعوى قضائية، بسبب الإساءة والاعتداء على الآخرين، وهو عدد إن صح فهو يوحي بوجود مشكلة حقيقية في المجتمع، بسبب سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
ودعا إلى العودة إلى المعايير الأخلاقية التي تربى عليها أهل الكويت، والالتزام بها كون المجتمع الكويتي مجتمعا مسلما، والوعي الكامل بخطورة استخدام تلك وسائل التواصل، أو السعي إلى التستر خلف الاسماء المستعارة.
وشدد الخلفان على أهمية التوعية المجتمعية للشباب ممن يطرقون أبواب مواقع التواصل الاجتماعي، وممن يقعون فريسة سهلة أمام الجهل بالقوانين، وعدم الوعي الكامل بخطورة تلك الوسائل.
وقال: مئات الشباب يحاكم اليوم أمام القضاء لعدم إدراكهم بخطورة تلك المواقع، فهناك نقص وعي بالقوانين التي تنظم الكتابة والتعليق على تلك المواقع، إضافة إلى عدم الالتزام بالمعايير الإسلامية التي دعا لها القرآن الكريم ودعا خلالها على عدم التنابذ.
من ناحيته رفض الناشط السياسي الدكتور خالد الوسمي الإساءة إلى الآخرين بأي وسيلة من الوسائل، سواء كانت مقروءة أو مرئية أو مسموعة، لافتا إلى أن الإساءة المفبركة والاختفاء هي أمور لا تصدر من أناس تعمل في النور، ولكنهم يعملون في الظلام، وهذا الأمر مرفوض داخل مجتمعنا الكويتي.
وأضاف: الإنسان صاحب المبادئ وصاحب القيم لا يسيء إلى الناس من خلال مواقع التواصل بنشر الإشاعات التي تستهدف سمعة الناس، وأعتقد أن خير وسيلة لمحاربة هذه الوسائل الغير حضارية هي اللجوء إلى القانون، فالقضاء هو السبيل الوحيد في مثل هذه القضايا لإعادة الحق إلى أصحابه.
بدوره قال استاذ الشريعة الاسلامية في كلية التربية الاساسية والمدرب في التنمية البشرية الدكتور بدر الماص: لست مع الإساءة إلى الآخرين من خلال مواقع التواصل، فنشر الإشاعة به تعد على الآخرين، وربما يكون بالأمر تزوير، إضافة إلى تدخل الإنسان في أمور ليس معنيا بها، من خلال هذه الأساليب التي تستخدم فيها التكنولوجيا الحديثة ويراد من خلالها الإساءة إلى الناس.
وأضاف: هذه الأعمال سواء كانت من خلال تسجيل صوتي أو مصور، أو من خلال الكتابة عبر مواقع التواصل المختلفة، جميعها مرفوضة، طالما أنها تسيء إلى الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: من حسن إسلام المرأة تركه ما لا يعنيه، وهذا الأمر قد يؤدي إلى إيذاء الناس بالتعدي أو الإساءة.
وتابع: أرى أنه ينبغي على الإنسان الواعي ألا يدخل نفسه في مثل هذه الأمور، لأنها جربت في السابق، وأسيء استخدامها، لذلك لا نرحب باستخدام هذه الوسائل، ونسأل الله أن يلطف بالناس في المجتمع، لأن مثل هذه الأمور قد يتعرض فيها الشخص لسمعة الناس وأعراضهم، وهذا أمر نهى عنه ديننا الإسلامي الحنيف.
ولفت إلى أن هناك فرقا شاسعا بين حرية الرأي وبين الإساءة إلى الآخرين، فحرية الرأي تكون في ظل القانون، ولا يتعرض فيها الإنسان إلى أعراض الناس وإلى سمعتهم، ولا يسيء إليهم، ولا لأشخاصهم، وهذه هي الحرية، ولكن تغيير الأمر وإعطاء الحرية مجالا واسعا ليس له حدود، ولا قيود، فهذه ليست حرية ولا يمكن أن يقبل بها أي مجتمع من المجتمعات في العالم.
من ناحيته قال استاذ علم النفس في جامعة الكويت الدكتور خضر البارون: مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، فمن الممكن أن يستخدمه الإنسان لصالحه، فيتعرف من خلالها على ثقافات، ومعلومات قد تكون غائبة عنه، ويفتح له الآفاق على عالم من العلم والمعرفة، ومن الممكن أن تتم إساءة استخدام مثل هذه المواقع، بشكل يجعل المغرد نفسه تحت طائلة القانون.
وأضاف: البعض يسعى إلى ترويج إشاعات، أو صور، أو معلومات مغلوطة من شأنها أن تسيء إلى الآخرين، مستغلا تخفيه وراء اسم مستعار، فيتحدث الشخص بشكل طائفي يسيء فيه إلى فئة داخل المجتمع أو طائفة، ويؤجج من خلال حديثة الفتنة الطائفية. وأشار إلى أن الحديث عبر تلك المواقع قد يكون سلبيا أو إيجابيا، والناس تحب أن تتداول الكثير من الأخبار، خاصة التي يوجد بها نوع من الإثارة، أو قد تكون أخبارا حساسة، مشيرا إلى أن الشائعات خاصة المغرضة، يكون مصدرها في المقام الأول مصدر نفسي، يسعى من خلالها الشخص إلى إشباع رغبة نفسية بداخله، كأن يكون هو صاحب المعلومة الأول، أو يشعر باهتمام الآخرين بمتابعته، لترويجه لمثل هذه المعلومات.
وقال: نحن لا نريد أن نغوص في أعماق الناس، وداخل أنفسهم، ولكننا نلقى الضوء على جانب لا يعرفه البعض عن أنفسهم، فالأخبار السيئة، أو بالأحرى الإشاعات المغرضة، تضر صاحبها قبل أن تضر الآخرين، لذلك نحذر من الترويج لمثل هذه الإشاعات.
وبين البارون أن الحل لإيقاف ترويج الإشاعات المغرضة عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، وجود تشريعات جديدة تغلظ فيها العقوبة، خاصة للأشخاص الذين يسعون إلى إثارة الفتنة الطائفية، أو الترويج لأخبار مغرضة الهدف منها الإساءة إلى الآخرين، وعلى الناس أن يكونوا حذرين، وألا يروجوا لمثل هذه الأخبار، فليس كل ما يقال من معلومات على مواقع التواصل الاجتماعي معلومات صحيحة، وعلى الإنسان أن يتحقق من المعلومة، قبل أن يعيد التغريد بها مرة أخرى، وإرسالها للآخرين.