في ظل الانخفاض الكبير والمستمر في أسعار النفط عالميا بات من الضروري اتخاذ خطوات مالية واقتصادية اصلاحية لترضية النفقات العامة وزيادة الموارد غير النفطية، وفي هذا الإطار انتهت وزارة المالية من اعداد دراسة إصلاحيّة للماليّة العامّة للدولة في شأن تنويع مصادر الدخل وترشيد المصروفات الحكومية لمواجهة العجز في الميزانية العامة، في ظل تراجع ايرادات النفط الذي يعد المورد الأساسي للدخل في الميزانية، وتسعى الحكومة إلى اتخاذ إجراءات اصلاحية تضمن استدامة الماليّة العامّة والحد من الاعتماد على النفط.
ووفقا لدراسة وزارة المالية فإن الخطوات الإصلاحية تشمل في شق الإيرادات تنمية وتنويع الإيرادات العامة للدولة من خلال مراجعة آليات تسعير السلع والخدمات العامة التي يتم تقديمها في الوقت الحالي، حيث تقدم معظم هذه السلع والخدمات اما مجانا وإما بأسعار تقل بصورة جوهرية عن تكلفتها الحقيقية، بحيث تتم اعادة تسعير تلك السلع والخدمات على النحو الذي يعكس تكلفتها الحقيقية من جانب، ويعزز الايرادات غير النفطية من جانب آخر، و إجراء مراجعة شاملة للرسوم التي تتقاضاها الدولة مقابل الخدمات التي تقدمها والأراضي التي تؤجرها، وذلك بهدف تعزيز الإيرادات غير الضريبية وتنويع مصادر دخل الخزانة العامة للدولة.
بداية يؤيد رئيس اللجنة المالية البرلمانية النائب فيصل الشايع الخطوات الإصلاحية في مجال ترشيد الإنفاق وزيادة الإيرادات من خلال وضع حد أقصى للتوظيف في القطاعين الحكومي والعام، ورفع رسوم الخدمات وفرض الضرائب على أرباح الشركات والاستهلاك، لاسيما السلع الاستهلاكيّة التفاخريّة، ووضع رسوم على استخدام بعض الطرق الرئيسية تتم جبايتها إلكترونيا على النحو المعمول به في دبي.
وقال الشايع: ان تراجع الإيرادات النفطية جرس إنذار يتطلب اتخاذ إجراءات لإصلاح الخلل في الميزانية العامة للدولة، ومعالجة العجز في الميزانية التي تعتمد على النفط كمورد اساسي وشبه وحيد، لذلك يجب ترشيد الإنفاق فورا وزيادة الموارد غير النفطية، من خلال زيادة ايجارات اراضي الدولة وإلغاء المجالس العليا التي لها وزارات مماثلة، مثل الأعلى للبترول والأعلى للتعليم وترشيد المهام الرسمية والعلاج بالخارج، وتقليص البعثات الديبلوماسية والمساهمات الدولية والإقليمية، وقصر ابتعاث الطلبة للخارج على المتميزين جدا، وان يكون الدعم للمواطنين فقط وللسلع الضرورية جدا، وبيع السلع بقيمتها السوقية، وتعويض غير القادرين من خلال الدعم النقدي المباشر.
بدوره طالب النائب كامل العوضي الحكومة بضرورة تقليل اعتمادها على النفط كمصدر رئيسي للدخل القومي، مشددا على أهمية تنويع مصادر الدخل تحسبا للمستقبل؛ خصوصا ان النفط مصدر ناضب وعلى الرغم من ذلك يعد اكثر من 98 في المائة من مصادر ايرادات الميزانية العامة للدولة، وهو وضع خطير.
وقال العوضي: يجب على الحكومة ان تحذو حذو بعض الحكومات بالدول المجاورة التي اتجهت إلى عدم الاعتماد الكلي على النفط، مشيرا إلى ان بعض الدول وصل معدل اعتمادها على البترول بنسبة تقترب من الـ 25 في المائة، ما يجعلها بعيدة عن الخطر الاقتصادي.
وبيّن رئيس لجنة الاولويات البرلمانية النائب الدكتور يوسف الزلزلة ان الوضع الاقتصادي العالمي سيئ، لكنه لا يدعو إلى التشاؤم، موضحا ان الميزانية الكويتية ستعاني عجزا لانخفاض سعر برميل النفط، وسيتم تجاوزه.
وقال الزلزلة: نعم نحن أمام وضع اقتصادي عالمي سيئ، وسيصيبنا جزء من هذا الوضع، لكن كل ذلك لا يدعو إلى التشاؤم كما يدعي البعض، كأننا أمام نهاية العالم.
وأضاف الزلزلة: سينزل سعر النفط عن الاربعين دولارا، وسنعاني عجزا في الميزانية، وهذا ليس بشيء جديد وسنتجاوز كل ذلك ان شاء الله، مستدركا: كفوا عن تشاؤمكم وتفاءلوا.
في المقابل، قال النائب الدكتور منصور الظفيري لـ «الخليج»: ان دراسة الحكومة للتعامل مع تراجع اسعار النفط تفتقد أي رؤية للإصلاح المالي والاقتصادي، وهي مجرد اجراءات لضبط المصروفات وترشيد الإنفاق لأنه من دون خطط لتنويع مصادر الدخل وانفاق استثماري وطرح مشروعات سندور في حلقة مفرغة، وسنظل دائما نعاني من هاجس تراجع اسعار النفط، ونحن لا نريد اجراءات وقتية تطوى مع انتهاء ازمة تراجع اسعار النفط.
وأضاف الظفيري: انني استغرب ان تكون رؤية الحكومة قاصرة على إلغاء مجالس عليا، وهو اجراء مستحق لكنه غير كاف، وكذلك استغرب سعي الحكومة إلى زيادة الرسوم على الخدمات والسلع بما يثقل كاهل المواطن، وهو امر سيتصدى له نواب المجلس ولن يسمحوا بتمريره؟! وتساءل الظفيري: اين رؤية الحكومة في تسريع طرح مشروعات التنمية وفي تنفيذ المشروعات المعطَّلة وأين وصلت معدلات التنفيذ في مشروع ميناء مبارك الكبير، وأين مدينة الحرير التي طرحتها الحكومة في العام 2006 باعتبارها المشروع الحلم للكويت الذي يستوعب مئات الآلاف من فرص العمل ويحقق عوائد ضخمة؟! وتابع سائلا عن مشروعات تطوير الجزر الكويتية وأين ما تحقق من الرغبة الاميرية في تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري؟!
وعن الحل من وجهة نظره قال الظفيري: ان الكويت تحتاج إلى رؤية اقتصادية شاملة تدعم الوضع الاقتصادي والمالي، من خلال مناطق التجارة الحرة والمدن الصناعية والاستثمارات النفطية كمصافي تكرير النفط لبيعه بأسعار مرتفعة بدلا من بيعه كنفط خام يتأثر بانخفاض السوق، وعلى الحكومة ان تتقدم بحزمة من الاصلاح المالي والاقتصادي منها تشكيل هيئة مستقلة للتنمية، والاسراع بتطبيق قوانين التنمية الصادرة من مجلس الأمة، وعلى وجه الخصوص قانون التخصيص وحماية المستهلك والمشروعات الصغيرة وحماية المنافسة والشركات التجارية وهيئة مكافحة الفساد والافصاح عن الذمة المالية وحماية المبلغين والمعاملات الإلكترونية والمستثمر الاجنبي والشراكة بين القطاعين العام والخاص «B.O.T» والعمل كذلك على تحسين بيئة الاتصالات وبيئة الاعمال والاسراع بتطوير البنية التحتية لاستقطاب رؤوس الاموال ومعالجة تداخل وازدواجية الاختصاصات والمهام والتشابك بين أجهزة الدولة وتقليص الفترة الزمنية لترسية العقود.
في السياق نفسه يطرح النائب الدكتور محمد الحويلة حلولا لأزمة الإيرادات غير النفطية بقوله: ان الكويت تحظى بفرص متعددة لتنويع مصادر الدخل، بإضافة روافد جديدة للاقتصاد الوطني، تستطقب رؤوس الأموال من المستثمرين العالميين، وتحقق فرصا وظيفية لأعداد كبيرة من الشباب الكويتي، ومن ذلك دعم المشاريع الشبابية من قبل الحكومة، وسيكون له دورا كبيرا في تكريس المسؤولية لدى الشباب وتشجيعهم على تحمل مسؤولياتهم لخوض غمار الحياة بنجاح، فالمشروعات الصغيرة والمتوسطة بالنسبة للكويت من أهم وسائل تنويع مصادر الدخل. ويجب توسيع مساهمة القطاع الخاص في عملية التنمية والتوظيف الجيد لموارد النفط في الإنفاق على تنمية القطاعات الاقتصادية الواعدة مثل الصناعة والسياحة والزراعة وغيرها.