أكتب عن سوريا لإرتباطي و تعلقي الشديد بهذا البلد الطيب الذي لم يتسني لي أن أزوره يوما، و دائما ما كنت أتمني أن أزوره و أسير بين أهله و طرقاته، ليس لدي تفسير لعشقي لسوريا، و ربما قد تشكل في وجداني حب هذا البلد متأثرا بالوحدة المصرية السورية في منتصف القرن العشرين.
و حقيقة يعتصرني الألم و أشعر بالضيق منذ قيام الثورة السورية في 2011، ليس لقيام الثورة ضد نظام الأسد المستبد الفاسد، و لكن لأني أزعم أني كنت أري مآلات الثورة السورية و آثارها علي الأرض تماما كما هو حاصل الآن، و كنت أشعر بالشفقة علي المواطن السوري و هو يقتحم المجهول و يلقي بنفسه إلي التهلكة مدفوعا بأحلام الثورة علي نظام باطش و أملا في حكم رشيد و مستقبل أفضل ربما لن يأتي لعقود الا إذا قدر الله لسوريا قدرا آخر.
توقعت عواقب الثورة السورية لسبب بسيط، و هو أن الدولة السورية كانت النموذج الأوضح للدول العربية التي لديها العوامل الأساسية للانهيارالكامل بفعل أي ثورة علي النظام الحاكم، هذه العوامل ألخصها في الآتي:
ضعف الجيش الوطني و فساد عقيدته، لارتباطه مذهبيا بالنظام الحاكم، مما يعني غياب اللحمة القوية بينه و بين مختلف طوائف الشعب السوري.
أدي هذا إلي استخدام الجيش السوري للعنف و القتل في مواجهة الثورة السورية، و هذا هو مربط الفرس و موطئ الداء و مكمن المشكلة، فاستخدام العنف من قبل الجيش يؤدي إلي تشكيل جماعات مسلحة مقاومة لهذا العنف، مما يمهد الطريق لتدخلات خارجية مستغلة حاجة هذه الجماعات إلي السلاح و المال.
هذا الإقتتال الداخلي المدعوم خارجيا يسقط الدولة في بئر سحيق من الفوضي و التفكك و الحرب الأهلية، و التي تزكيها نعرة الطائفية، لتبرز علي السطح إرهاصات التقسيم و كوابيس السقوط المدوي للدولة الوطنية الواحدة بمؤسساتها، هذا الإنفراط في عقد الدولة السورية قد رأيته و توقعته مع أول طلقة من الجيش السوري وجهت لصدور المدنيين السوريين.
أضف إلي ذلك إستعانة النظام الحاكم بدول و جماعات خارجية في مواجهة الثورة، مما أدخل القضية السورية في نفق التدويل المظلم، هذا النفق الذي لا يعلو فيه صوت فوق صوت المصالح الضيقة و الأطماع الخارجية و التي تبني خططها علي جثة الدولة الوطنية.
عامل آخر يزيد الطين بلة و يعقد الأمور هو تشبث نظام الأسد بالسلطة، و عدم تجاوبه مع مطالب الثورة، و غياب أي حنكة أو حكمة للتعامل مع الأمر، مما أدي إلي دفن أي أفق أو حل سياسي للأزمة.
لا أقصد من مقالي هذا إلقاء اللوم علي الثورة السورية أو البكاء علي نظام الأسد، و لكني فقط أوضح لماذا لم تفضي الثورة السورية إلي بناء دولة جديدة حديثة ديمقراطية كما كان يحلم صانعوها.
إذا كانت هناك لدي أي نظام عربي رغبة صادقة في التقدم و النهوض، فلا بد منأن يقوم بدراسة متأنية عميقة لثورات الربيع العربي ليستخلص الدروس و العبر و يحولها إلي خطة عمل شاملة تحول دون تكرار ما حدث في المستقبل.
نظرة خاطفة علي الوضع السوري الحالي تجعلنا نتوقع أحد مسارين للمستقبل، صراع مسلح طويل أو تقسيم برعاية دولية. صراع مسلح علي الأرض برعاية قوي إقليمية تسعي إلي تحقيق مصالحها، أو عملية سياسية دولية تفضي إلي تقسيم يحقق أهدافا غير أهداف الدولة السورية.
و أختم بالقول أن الله لم يقدر لأمتنا العربية حتي الآن ان تمسك بزمام أمورها و تخطو خطواتها نحو التقدم و الحداثة، و أحلم بأن يأتي هذا اليوم الذي ينعم فيه المواطن العربي بحياة كريمة بعيدة عن الموت و اللجوء و الفقر .
أحمد العصار
ahmed.elassar@gmail.com
بوابة أخبار اليوم
الجمعة 13 ديسمبر 2024