عندما قطع الملك فيصل النفط عن الغرب وأميركا في حرب أكتوبر 1973، جاء كسنجر وزير الخارجية الأميركي والتقى في جدة بالملك فيصل ليقنعه ويرجوه إعادة ضخ النفط إلى الولايات المتحدة، فكان لقاء الملك فيصل له فاترا، أراد وزير الخارجية الأميركي كسر الجمود فقال له مداعبا «يا جلالة الملك إن طائرتي تقف هامدة في المطار بسبب نفاد الوقود فهل تأمرون جلالتكم بتموينها؟».
رد عليه الملك فيصل قائلا «إن أمنيتي أن أصلي ركعتين في المسجد الأقصى قبل أن أموت، فهل تساعدني دولتك؟» ويقول الأمير سلطان بن عبد العزيز بأن كسنجر صدم من هذه الإجابة لكنه أراد أن يستدرج الملك فيصل إلى الحوار. أخذ كسنجر يصف للملك فيصل ما ألم بالشعب الأميركي من ضيق لعدم وصول النفط واصطفاف السيارات أمام محطات البنزين، لكن إجابة الملك فيصل كانت مصحوبة بضربات هادئة على مسند المقعد الذي يتكئ عليه، وهو يقول «القدس، حقوق الفلسطينيين» ويكررها.
أراد كسنجر أن يغري الملك بالدخول في الحوار وأخذ يتكلم عن الصداقة التي تجمع البلدين، والعلاقات الأخوية بينهما فكان الملك يردد ما قاله، عندها قال كسنجر يا جلالة الملك إننا نعلم بأن إسرائيل معتدية، عندها أوقفه الملك فيصل قائلا له من تمثل أنت؟ قال كسنجر أمثل الرئيس الأميركي ثم سأله ومن يمثل الرئيس الأميركي؟ قال الشعب الأميركي، ثم قال له من أمثل أنا؟ قال تمثل الشعب السعودي، قال الملك فطالما نحن نمثل شعوبنا فعلينا أن نكون صادقين معهم.
دعنا نخرج الآن وأمام الصحفيين، وتقول ما قلته بأن إسرائيل كانت معتدية، فإذا قلتها فسوف يصل النفط إلى أميركا خلال 48 ساعة. أسقط في يد كسنجر وحزم أمتعته وغادر المملكة، ما أن وصل واشنطن حتى قال للرئيس الأميركي بأنه لم يتمكن من اقناع الملك فيصل بذلك، فاتصل الرئيس الأميركي وقدم الدعوة بالتسوية.
لقد كانت حرب أكتوبر تمثل انتصارا مؤزرا للأمة العربية، واستردادا لكرامتها التي سلبت بسبب العدوان الصهيوني وهزيمة للجيش الإسرائيلي الذي قيل يومها بأنه الجيش الذي لا يقهر، فكانت الحرب انتصارا لكل العرب، شاركت فيه الدول العربية بالدعم المادي والعسكري واللوجستي وقادها الزعيمان أنور السادات والملك فيصل بن عبد العزيز، وتلاها انتصار سياسي استرد سيناء كاملة ومهد لاستعادة حقوق الفلسطينيين كاملة التي سوف تتحقق في الأيام القادمة.
كان لمصر القوة العسكرية والإرادة القتالية والقيادة الواعية المخلصة لكنها كانت في حاجة إلى الدعم المالي والسياسي والمعنوي. جاء الرئيس السادات في زيارة سرية إلى الرياض والتقى قبل الحرب مع الملك فيصل في الصحراء فيما يعرف بالثمامة، وقدم له الملك فيصل حمولة طائرة من الدولارات شحنت معه وأخذها لتمويل الحرب، وقد حضر الملك فيصل سرا مع الرئيس السادات المناورة النهائية لعملية العبور.
لقد كان الملك فيصل جنبا إلى جنب مع شقيقه الرئيس أنور السادات، أما دول الخليج فلم تتوانى عن دعم المجود الحربي المصري ولم تتأخر فالشيخ زايد بن سلطان أثر عنه، أن قال «إن النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي، وإن كرامة العربي هي الأغلى من الدم العربي هو الأشرف. لقد اقترض مليارا من البنك الدولي وأسند بها المجهود الحربي في مصر وهذا ما نشر في الأهرام الجمعة 3 أكتوبر 2015».
وقفت دول الخليج مع مصر، وأعلنت عن الدعم المالي والمعنوي لمصر وأن أي عدوان عليها من أي دولة هو عدوان على هذه الدول، وبالتنسيق مع دول المواجهة قدمت دول الإسناد الدعم المطلوب فبعثت المملكة العربية السعودية إلى سوريا والأردن بلواءين آليين معززين يساوي كل واحد منهما فرقة، فكان يفترض التخفيف عن الجبهة المصرية من الاختراق وتمكنت القوات السعودية من صد الاختراق الإسرائيلي على القوات السورية في «تل مرعي».
كما أرسلت العراق جنودا بدباباتهم إلى سوريا في اليوم التاسع للحرب أما الجبهة السورية فلم تكن أقل ضراوة من الجبهة المصرية فكان الاشتباك معها في البر والبحر قام يومها اللواء ناجي جميل في سوريا بالتعاون مع مدير إدارة الدفاع الجوي العميد الركن علي صالح يرسم خطة قتال جوية، تتضمن الضربة الجوية الأولى التي تم تنفيذها مع بداية الحرب، بالإضافة إلى خطة التعاون بين الطيران والصواريخ والمدفعية للدفاع عن العمق وتغطية القوات المقاتلة.
بالإضافة إلى خطة تقديم الدعم التكتيكي للقوات البرية وخطط إنزال جوي وخطة الاستطلاع والتصوير الجوي بما في ذلك المهام الطارئة كمكافحة الإنزال الجوي والبحري مع النقل وإنقاذ الركب الطائر وإخلاء الجرحى.
لقد شاركت معظم الدول العربية بأشكال متفاوته ومن أبرزها ليبيا التي كانت تمثل بمساحتها الشاسعة وإمكاناتها المادية والجغرافية عمقا استراتيجيا لمصر، فساهمت ليبيا في المجهود الحربي.
لقد تمثل الدعم الليبي لملحمة العبور من القوات البرية والدفاع الجوي وصواريخ استريلا كما شارك سلاح الجو كذلك السلاح البري بالإضافة إلى سلاح الإشارة.
إن أحدا لا يمكن أن ينكر المجهود العظيم الذي قامت به الدول العربية في دعم حرب أكتوبر 1973 لقد كانت الحرب عبارة عن ملحمة عربية تؤكد أصالة الأمة وشعورها القومي. ففي هذه الحرب راهن العرب على انتمائهم ومصيرهم كما ضحوا بعلاقاتهم الاستراتيجية مع كل الدول التي ساندت إسرائيل. فمنهم من شارك بالنفس والمال على مختلف الجهات ومنهم من قطع النفط عن الغرب وشكل بذلك ضغطا على إسرائيل فنسجت تلك الحرب ملحمة اختلطت فيها الدماء العربية وتألقت وتلاقت المشاعر والأحاسيس وانتهت بانتصار لكل العرب.