• ديسمبر 3, 2024 - 8:17 مساءً

رحلة المعارضة.. لإسقاط الرئيس

كالشمس في وضوحها يأتي إسقاط رئيس مجلس الأمة المنتخب مرزوق الغانم على رأس قائمة المطلوبات في ملف المعارضة البرلمانية الجديدة، فمنذ إعلان النتائج جاءت تحركات النواب المستجدين ومن الساخطين من القدماء، بهدف حرمان الرئيس مرزوق الغانم من الرئاسة، ولأسباب كثيرة، أهمها أنهم لم يجدوا فيه السهل المتجاوب مع طموحاتهم وشعروا بأن الرئيس من سكان بيئة ليست لهم، فاعتباراته تخضع للممكن والمتلائم مع الدستور ومصالح الكويت، ومتفهم للصعوبات التي ستواجه الحكومة في حالة إقرار ما تريده المعارضة، بما فيها ترضيات انتخابية واعتبارات فئوية وقبلية وتأججات شعبوية، وكلها لا تشكل أولويات في هموم الكويت.
كانت هذه اجتهاداته منذ بداية عمله البرلماني..
كانت جلسة الانتخابات فوضوية لم تأت من شرفة الزوار وحدهم، وإنما جاءت أيضاً من قواعد النواب الذين بدأوا في إرباك «رئيس السن» بنقض النظام وبالنزول إلى منصة الرئاسة ومواصلة الحديث في تجاهل للانضباط، فكان رئيس السن حازماً، تمكن من إجهاض خطوات الإرباك. من حق الحكومة أن تصوت مع ما تتفق مع نهجه، ولا يوجد في الحكومات البرلمانية التصويت المستقل وفق الأهواء وينسحب ذلك على اللجان.. وانتهت الممارسة بفوز الرئيس مرزوق الغانم، ولم يذعن نواب المعارضة لهذا الاحتكام الديموقراطي..
صارت اللقاءات تعقد خارج المجلس للتنسيق في كيفية الإطاحة بالرئيس، وجاء تشكيل مكتب الرئاسة بتعيين لجنة لدراسة الميلودرامية التي شهدناها في جلسة الانتخابات، واعترضت المعارضة، مقترحة تشكيل لجنة أخرى تتشكل على ذوقها، ويتحدث النواب في الجلسة في تحد تاريخي لفوز مرزوق الغانم بالرئاسة، مع رسم نواب المعارضة الطريق المناسب والمفتوح لتحقيق الأهداف بطرح مقترحات يعرف الجميع أن الفضاء الملائم لها لم يحل بعد، وأن لها تعقيدات سيادية تستلزم خطوات من نوع آخر، ومع تراكم الطرح غير الملائم تتصاعد نزعة الاندفاع نحو الصدام، وحتمية الحل والانشراح بفضاء جديد، قد يأتي منه رئيس يتناسب مع مزاج وميول المعارضة.

هذه خريطة المسيرة الحالية، فيتو على رئاسة الغانم، وإذا تمكن الرئيس الحالي من النفاذ من الكمين، فإن هناك طرح استجوابات لسمو رئيس الوزراء، قد يفلت من بعضها، لكنه سيتعكر ويصاب بالإرهاق، وقد سمعنا أصواتاً في بداية الفصل، تنادي بالاستجواب لأنها الوصفة التي لها طريق آمن للحل المطلوب تنفيذاً لمشروع إسقاط الرئيس، ويعرف النواب بأن رئيس الوزراء قادر على تفنيد الادعاءات وإفشال المخطط الذي يهدف إلى إسقاطه بالاستقالة أو بالتصويت، معتمداً على قناعته بسلامة الإجراءات وشرعيتها، ومهما كانت الحصيلة، فإن الأذى الكبير أصاب التجربة البرلمانية في تقليص حجم جاذبيتها، فهذا الاستخفاف بأصول المساءلة سيزيد من ضيق شعب الكويت من الممارسة النيابية كلها.
مشكلة نواب المعارضة اليوم تتمثل في المسافات بين ما يريدون وبين ما يتمناه الشعب، فموضوع الرئاسة لا يشكل هماً للشعب الكويتي، وقد اقتنع بأن الموضوع أغلق وفق الإجراءات المتبعة، ولا تهمه لائحة العفو وارتباطاتها، لأن هناك إدراكاً للأسلوب الأمثل لتجاوزها، فلا تحقق الصيغة المقترحة من النواب الهدف الذي يريدونه، كما أن مساعي تبديل خريطة الدوائر لم تتوصل إلى إطار يجمع عليه المجتمع الكويتي، وكل ما يتردد هو مقترحات تترجم رغبات النواب ولا تمثل الهم الأكبر للشعب الكويتي.
ولن تتمكن المعارضة من نيل اهتمامات الرأي العام من دون تبني وثيقة يريد الشعب خيراتها، في الجوانب المبهرة لصورة الكويت، وهي احترام الدستور القائم على حكم القانون، وحرية الإنسان وصون كرامته، وتغذية الحس الوطني بترسيخ المفاهيم التراثية في الانفتاح والانصهار وإرادة الهمة الوطنية في الجوانب الاقتصادية، وهنا أود الإشارة إلى وثيقة الإصلاح الاقتصادي التي تبنتها غرفة التجارة والصناعة، وهي وثيقة متكاملة في منظورها، صادقة في دوافعها، وهناك مقترحات يمكن التوقف عندها، لاسيما في ما يتعلق بالبعد الضريبي وتقليص حجم بعض المقترحات، لكن تبقى حقيقتان في الوثيقة، أولاهما، ضرورة التخفيف من الأسر الذي مكن النفط من التحكم في حياة الكويت في حاضرها وفي مستقبلها، وفي تقييد تحركاتها السيادية، لأن النفط سلعة تستهلكها الدول المتقدمة وتطور تكنولوجيتها الإدارة الأوروبية والأميركية، وتديرها صيغة أوروبية غربية، والبحث عن بدائلها يخرج من ابتكارات غربية خارج سيطرة دول الخليج، والأسعار تتأرجح وفق تيارات السياسة، بلا يقين عن سقفها..
والمقترح الثاني المهم، ما سجلته الغرفة عن ضرورات الخصخصة وانفتاح القطاع الخاص مع فصل المشاركة، وقد طرحت دراسات مختلفة بناء على طلب السلطات المختصة، لكن هذه الدراسات تقف عند حاجز التنفيذ، ومن أهم أدوار المجلس الجديد تشجيع التنمية عبر شركات كبرى تتشكل من رأسمال وطني يساهم فيه جميع المواطنين مثل الحالة التي نراها في شركة الزور.

من المناسب الإشارة إلى أن الاقتصاد الكويتي اعتمد على الدور التاريخي البارز للقطاع الخاص، كانت سفن الكويت تشحن التمور من البصرة من أملاك كويتية، وتشحن من الهند البضائع لتجار كويتيين، وكانت الأموال تنساب من أيادي التجار إلى النواخذة إلى البحارة، في دورة اقتصادية في بلد نشأ على مواهب المبادرات الفردية، وهكذا كانت حياة الغوص، ولم تتبدل حتى انفجار النفط بكميات واسعة للتصدير، عندها تملكت الدولة الحجم الذي أتاح لها السيطرة الكاملة على الدورة الاقتصادية في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، وللعلم فقط، فقد كان الشيخ أحمد الجابر يساهم بالمال في تنشيط القطاع الخاص، ويقرض التجار من ماله مدركاً الدور المهم لهذا المال في تأمين حياة البلد..

ولنا ملاحظات حول ما يتردد عن احتكار خيرات الكويت من قبل قلة من المواطنين، وبالطبع فإن الإحصائيات تنفي هذا التشويه للواقع، فأكبر مفاخر الكويت هو تلاشي الحواجز الاجتماعية في مستوى المعيشة واتساع قاعدة الطبقة الوسطى بشكل مؤثر، ومن المباهج الكويتية تواجد شباب في إدارة شركات القطاع الخاص، شقوا طريق الوهج بفضل علمهم وشطارتهم.

والدور الذي تتوقعه الكويت من المجلس المملوء بالحيوية أن يعزز دور القطاع الخاص ليساهم في التنمية وإعفاء الدخل المحدود من الضريبة، ويتقبل حقائق استحالة الاستمرار بهذا النهج في أسلوب الدولة الرعوية، الذي استنزف الميزانية وسبّب العجز.

لا بد أن يتواصل النواب مع القنوات التي تؤمن لهم الوقوف على طموحات الكويتيين وتحسين معيشتهم وتوسع اختياراتهم في التعليم وفي الوظائف التي تتسع مع طرق الخصخصة، والاعتماد على المهارات والمواهب التي كانت مصدر الحفاظ على هذا البلد قبل أن يضع النفط نهاية لها.

في هذه الأزمة برزت حالة ليست مألوفة في الممارسة السياسية النيابية، تمثلت في غياب التواصل بين الحكومة وبين النواب وتجاهل منافع التفاعل المباشر في الوصول إلى مخرج يرضي الطرفين، فهناك ملاحظات من النواب يمكن علاجها حول التشكيلة الوزارية، وهناك حقائق يجب أن ينسجم النواب معها، فالرئيس باق تحميه الشرعية الدستورية، والحكمة تفرض تجاوز هذا الملف، مع دور برلماني لإدخال اللمعة الوطنية في ملف الحياة البرلمانية.. يبقى ملف الفساد ولا بد من إغلاقه وتسكيره نهائياً بإجراءات مرئية يطمئن لها الشعب، ومن المؤكد أن سمو الرئيس صباح الخالد يعلم بأن الفساد محنة الحاضر الكويتي.

عبدالله بشارة

a.bishara@alqabas.com.kw
( القبس ) 17 يناير 2021

Read Previous

الغانم: بناء على قبول استقالة الحكومة.. لن تكون هناك جلسة بالغد

Read Next

معاناة ما بعد ترامب

0 0 votes
تقييم المقال
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments

Most Popular

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x