منذ أيام مرت على الكويت الذكرى الـ54 لإعلان الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح انتهاء معاهدة الحماية البريطانية من خلال وثيقة استقلال البلاد التي وقعها مع المندوب السامي البريطاني في الخليج العربي السير جورج ميدلتن نيابة عن الحكومة البريطانية.
ووفقا لوثيقة الاستقلال التي وقعت في 19 يونيو عام 1961 التي شكلت نقطة تحول حاسمة في تاريخ الكويت المعاصر تم إلغاء اتفاقية الحماية التي وقعها الشيخ مبارك الصباح الحاكم السابع للكويت مع بريطانيا عام 1899 لحماية البلاد من الأطماع الخارجية.
وعقب توقيع الوثيقة آنفة الذكر وجه الشيخ عبدالله السالم كلمة للشعب الكويتي قال فيها «شعبي العزيز.. إخواني وأولادي في هذا اليوم الأغر من أيام وطننا المحبوب.. في هذا اليوم الذي ننتقل فيه من مرحلة إلى مرحلة أخرى من مراحل التاريخ ونطوي مع انبلاج صبحه صفحة من الماضي بكل ما تحمله وما انطوت عليه لنفتح صفحة جديدة تتمثل في هذه الاتفاقية التي نالت بموجبها الكويت استقلالها التام وسيادتها الكاملة».
والشعب الكويتي إذ يحتفل بذكرى الاستقلال يضرب أعظم الأمثلة على ارتباط انساننا بأرضه وحبه لها واستعداده الدائم لبذل كل العطاء والتضحية بالغالي والنفيس من أجل وطنه.
وسبق التوقيع على وثيقة الاستقلال خطوات مدروسة من قبل الشيخ عبدالله السالم الصباح منذ توليه مقاليد الحكم عام 1950، إذ عمل على تحقيق الاستقلال وإعلان الدستور، خصوصا أن البلاد كانت في تلك الفترة مهيأة لأجواء التطور والنهضة في مختلف المجالات.
وشهد عام الاستقلال صدور مرسوم أميري بشأن العلم الكويتي، وهو أول علم يرفع بعد الاستقلال وتم تحديد شكله وألوانه، وجاءت الخطوة التالية عقب الاستقلال بتقديم الكويت طلبا لجامعة الدول العربية، حيث تم قبول عضويتها فيها في 16 يوليو 1961 إلى جانب شقيقاتها الدول العربية.
وفي 26 أغسطس عام 1961 صدر مرسوم أميري بشأن إجراء انتخابات للمجلس التأسيسي ترجمة لرغبة الشيخ عبدالله السالم بإقامة نظام حكم قائم على أسس واضحة ومتينة وإصدار دستور يستند إلى المبادئ الديموقراطية، حيث أنجز المجلس المنتخب مشروع الدستور الذي يتكون من 183 مادة خلال تسعة أشهر.
واتسم دستور الكويت بروح التطور التي تعطي للشعب الكويتي الحلول الديموقراطية للانطلاق في درب النهضة والتقدم والازدهار والذي مكن البلاد من انتهاج حياة ديموقراطية سليمة مستمدة من دستورها المتكامل الذي أقر من قبل مجلس تأسيسي منتخب من الشعب.
وكان عهد الشيخ عبدالله السالم الذي امتد 15 سنة من السنوات البارزة في تاريخ الكويت وأطلق عليه لقب «أبو الاستقلال» و«أبو الدستور» نظرا إلى جهوده المضنية وتضحياته وحكمته لنيل هذا الاستقلال.
وبدأت الكويت في تلك الحقبة بوضع القوانين والأنظمة مثل قانون الجنسية وقانون النقد الكويتي وقانون الجوازات وتنظيم الدوائر الحكومية وكلها خطوات على طريق الاستقلال التام وتم انجاز نحو 43 قانونا وتشريعا مدنيا وجنائيا.
كما صدر مرسوم أميري بتنظيم القضاء وجعله شاملا لجميع الاختصاصات القضائية في النزاعات التي تقع في البلاد بعد أن كانت بعض القضايا تنظر أمام هيئات غير كويتية.
كما نالت الكويت عضوية العديد من المؤسسات الدولية منها المنظمة الاستشارية البحرية والاتحاد الدولي للمواصلات السلكية واللاسلكية، وبعد ذلك نالت عضوية الاتحاد البريدي العالمي ومنظمتي الصحة العالمية والأغذية والزراعة (فاو).
وانضمت الكويت ايضا إلى منظمتي الأمم المتحدة للتعليم والبحث العلمي والثقافة (يونسكو) والدول المصدرة للبترول (أوبك)، ولم تكن الكويت في ذلك الوقت بعيدة عن التفاعل والمشاركة في العديد من الأنشطة الاجتماعية والثقافية العربية.
وكانت البلاد زاخرة بالعديد من الإدارات المنظمة جيدا والمهيأة على مستوى البنية الهيكلية لمزيد من التوسع والتطوير، كإدارات الاشغال العامة والصحة العامة والمطبوعات والنشر وأملاك الدولة المالية بالإضافة إلى المعارف والبلدية والبريد والبرق والهاتف والكهرباء والماء والغاز والشؤون الاجتماعية والأوقاف العامة والإذاعة والتلفزيون.
وشهدت السنوات التي أعقبت الاستقلال العديد من الإنجازات فعلى الصعيد الدبلوماسي جاءت الخطوة الأولى بإنشاء وزارة الخارجية، اذ صدر مرسوم أميري في 19 أغسطس 1961 يقضي بإنشاء دائرة للخارجية تختص دون غيرها بالقيام بالشؤون الخارجية للدولة.
ونص المرسوم في مادته الثانية على دمج سكرتارية حكومة الكويت بدائرة الخارجية التي تحولت في أول تشكيل وزاري إلى وزارة الخارجية، وبعد صدور مرسوم إنشاء الدائرة صدر مرسوم أميري بتعيين أول رئيس للخارجية عقب الاستقلال وهو الشيخ صباح السالم الصباح وذلك في عام 1961. وفي عام 1962 عين الشيخ صباح السالم وزيرا للخارجية في أول تشكيل وزاري وأعقبه سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في التشكيل الوزاري الثاني عام 1963.
وصدر مرسوم في عام 1963 بدمج العيد الوطني بعيد الجلوس وهو ذكرى تسلم الشيخ عبدالله السالم الصباح مقاليد الحكم في البلاد والذي يصادف 25 فبراير كل عام.
وعلى المستوى الدولي بدأ مجلس الأمن الدولي النظر في طلب الكويت الانضمام إلى منظمة الأمم المتحدة بعد استقلالها إلى أن نالت الكويت عضويتها في 14 مايو 1963.
وسارت الكويت بخطى ثابتة تجاه النظام العالمي الجديد والشرعية الدولية برفض العدوان وحماية حقوق الانسان والمحافظة على خصوصية الدول وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى كما آمنت بدور الأمم المتحدة في الحفاظ على الأمن والسلام الدوليين.