• يناير 20, 2025 - 5:47 مساءً

سمو الأمير.. وملك بريطانيا تأكيد التعاطي وتعميق التلاقي

من المؤكد بأن زيارة سمو الأمير الى بريطانيا بدعوة رسمية وشخصية من الملك تشارلز ملك بريطانيا ستعلو في سماء العلاقات التاريخية التي تربط الكويت مع بريطانيا وستزيد من تدفق مجرى هذه العلاقات بما يعمق الروابط ويوسع التعاطي المتبادل وتعظيم التلاقي، مستوحياً سجلاً تميز بالوفاء البريطاني لالتزاماته في تأمين سلامة الكويت، الامارة الصغيرة التي أمنت معيشتها من جسارة أهلها ومن شطارتهم، ولا سيما في علاقاتهم المثيرة مع البحر، ولا شك بأن غياب الموارد وجفاف المناخ وندرة الموارد وشح الأرض وضيق المساحة كل هذه العناصر دفعت سكانها الى توفير مصدر للمعيشة يؤمن استمرار البناء.

تاريخ الكويت ينطلق بالوقائع التي رسمت حياة الكويت وشعبها، لا سيما في المهارة التي تسيدها هذا الشعب في تطويع البحر، تأميناً لاستمرارهم في هذه الدنيا، وبجهدهم ومغامراتهم ومهارتهم عبروا المحيط الهندي وتآلفوا معه، منطلقين من الكويت الى الهند، ومنها عبر المحيط الى سواحل شرق أفريقيا. كل ذلك أصبح مدوناً، اعترافاً بحقائق الكويت، وتأكيداً لقسوة المعيشة ونزعة المغامرة. جاء الوجود البريطاني في الخليج، تأمينا لسلامة الطريق الى الهند (التاج اللامع في رأس الامبراطورية)، ونظراً لأن السفن الكويتية، بمن فيها البحارة، لا تشكل خطراً على المصالح البريطانية، فتولد من ذلك الوضع الألفة التي سادت العلاقات خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، وتضخمت في آخر القرن التاسع عشر، وتمثل ذلك في توقيع اتفاقية الحماية عام 1899. مع زيادة مخاوف قائد الكويت الشيخ مبارك الصباح من أطماع الدولة العثمانية، التي ارسلت باخرة تسعى لربط الكويت بالدولة العثمانية، وقد حمى الشيخ مبارك الكويت بتلك الاتفاقية، واستمرت الحماية لها منذ ذلك التاريخ حتى عام 1961. ومع الاستقلال والتحاق الكويت بالجامعة العربية ثم الامم المتحدة شعرت الكويت بالامان والاستقرار، لكن العلاقات مع بريطانيا تعززت في التجارة والاستثمار والاقتصاد والتعليم. وتعود بريطانيا في عام 1990 لمواجهة الغزو العراقي ضمن التحالف الدولي لتحرير الكويت، وتنفتح ابواب التعاون بين بريطانيا والكويت في جميع المجالات ودون سقف يخنقها، الامر الذي عمق الحوار الشامل وعظم الترابط بين القيادتين، وجاءت زيارة سمو الأمير مشعل الأحمد الجابر الصباح تعبيراً عن هذا الترابط الصافي في محتواه، والمعبر عن صلابة المتانة في العلاقات وشمولها في جميع المسارات، والاهم الانسجام في التفاهم والترابط بين القيادتين.

 

ولا شك بأن هذا النوع من الشراكة وليد سجل بريطاني ملتزم بمعاني التحالف وعارف بأثقالها وقانع بثمارها، مستنداً إلى أكثر من قرن من التجربة التي أوفت بالتزام وحققت الاستقرار ورافقت تطور الكويت من امارة الى دولة مستقلة ذات سيادة بحدود معترف بها دولياً.

 

ومن محاسن الصدف التاريخية أن سمو الأمير عاش فترة طويلة في مناخ الأمن، عارفاً معانيه، واعيا لمتطلباته، وساعياً لتوفيرهذه المتطلبات ومدركاً لحقائق الكويت ومستخلصاً حقائق الاقليم الذي تعيش فيه الكويت، وواقفاً على المخاطر التي تهدد سلامة الكويت، ومستذكراً الدروس التي تعلمناها من واقعة الغزو، وأهمها ضرورات تأمين الآليات التي تحمي أمن الكويت وتصون سيادتها وتحافظ على استقرارها، وخلاصتها وجود الرادع الذي يطوق الكويت بالأمن والاستقرار، ونظراً لأن الكويت صغيرة في حجمها وفي محدودية أعداد مواطنيها، فلا مفر من التحالف مع أصدقاء عرفناهم وجربناهم ووثقنا بهم وأثبتوا أنهم أهل التزام مهما كانت الصعوبات. تعلمنا من تجربة الغزو الكثير ووقفنا على وقائع لم نتوقعها، واكتشفنا أن الاطماع في معظم الاحيان تعمي النظر وتدفع نحو المغامرة، وأن كلمة التضامن تعبير يعكس التمنيات ولا يعني الالتزام. هذه حقائق وقفنا عليها مع الغزو الذي تعلمنا منه الكثير، وأهم درس أن الكويت بحاجة دائمة الى حليف ملتزم وصادق في التزاماته، وأنه صديق دائم عند الشدة وفي كل الظروف، ومن تجربتنا مع بريطانيا، منذ القرن التاسع عشر حتى اليوم، كانت بريطانيا أقرب حليف صادق ملتزم برابطة وبمعاني التحالف ومدرك لاحتمالات المخاطر التي قد تبرز من ذلك الالتزام. ونلاحظ التطور الذي يميز العلاقات والذي تحقق عبر الشراكة الاستراتيجية التي وقعتها الكويت مع بريطانيا، والتي أمنت آليات لكل مسار في العلاقات بين البلدين، من أمن ودفاع وتجارة واستثمار وتكنولوجيا وتدريبات عسكرية ولقاءات عسكرية، والمقصود من هذه التشكيلة توسيع أبواب التعاون ليشمل كل الممرات المفيدة، بما يحقق طموحات الطرفين، لا سيما في مجالَي التعليم والاقتصاد، مع المشاورات الدورية التي تجمع الطرفين. لا نستطيع في تعاملنا مع الاسرة العالمية أن نتجاهل توقعات شعوب العالم بأن واجبنا مع دول مجلس التعاون هو تأمين استقرار المنطقة ذات الحيوية الاستراتيجية الخاصة للأمن العالمي، لمسببات وجود الطاقة التي يحتاجها الجميع، ولأن المنطقة تربط قارة آسيا مع دول أوروبا، فلا مفر من هدوئها وتأمين العبور الهادئ منها الى مختلف دول العالم.

 

نحن في الكويت استخلصنا العبر من أحداث مرت بنا ومن وقائع تعرفنا عليها، حملتنا الى يقين لتأمين رادع مؤثر يطوق الاطماع وموجود كحليف يشاركنا مواجهة المخاطر، وتوصلنا الى اتفاق أمني مع الولايات المتحدة التي ناصرتنا بقوة، حيث تميز دورها في تحرير الكويت باستجابتها لقرارات مجلس الأمن، لا سيما القرار رقم 687 المؤمن لعملية تحرير الكويت. ومن هذا الموقف دخلت الكويت في تحالف أمني يصون استقلالها ويصد عنها احتمالات التحرش ويختصر المسافات بالوجود على التربة الكويتية في خطوة تغلق الاستفادة من البعد الجغرافي، وفوق ذلك تجمعنا مع الولايات المتحدة شراكة استراتيجية لها آليات تؤمن اللقاءات الثنائية في استعراض جامع لمحور العلاقات بين الطرفين، أبرزها الجوانب الأمنية والاقتصادية والتعليمية والتكنولوجية. هذه التطورات في مسار الأمن الكويتي منحت الكويت وجود الردع الضروري على ترابها، وفتحت أبواب التفاهم مع الحليف الامريكي لاستعراض أولويات الطرفين في مختلف المسارات.

وبلا شك فإن هذا التوجه الذي عبر عنه سمو الأمير في زيارته ذات الطابع الخاص في علاقته مع الملك تشارلز الثالث، ملك بريطانيا، سيدفع العلاقات الثنائية نحو الابحار لتوسيع مساحات التعاون في مختلف المجالات، والاهم أنه يدشن صفحة ساطعة في سجل العلاقات التاريخية بين بريطانيا والكويت، ولا شك بأننا نرتاح جداً مع الحس الأمني الحريص لدى صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الاحمد الجابر الصباح، وندعو له بالعمر المديد.

عبدالله بشارة

القبس 19 يناير 2025

Read Previous

«الأهلي» أفضل بنك في علاقات المستثمرين بالكويت

0 0 votes
تقييم المقال
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments

Most Popular

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x