«هذا الرجل من الصبح إلى الليل ببدلته العسكرية يؤدي واجبه الأمني بأكمل وجه»..تلك كانت جملة صاحب السمو الأمير بحق وكيل وزارة الداخلية المساعد لشؤون أمن الحدود الفريق محمد اليوسف الذي لايزال في أوج عطائه رغم عمله العسكري على مدار 39 عاما تنقل من خلالها بين العديد من قطاعات وإدارات وزارة الداخلية ، ومع ذلك يرفض مستعد لمواصلة خدمة وطنه الكويت بعد سن التقاعد التي على وشك بلوغها قريبا ، يقول: «انا حاضر لخدمة الكويت كعمل وليس بمنصب شرفي».
الفريق اليوسف يتحدث في لقاء شامل نشرته الزميلة «الانباء» هنا بعض تفاصيله:
] الفريق الشيخ محمد اليوسف الصباح ماذا يعني لكم 15/9/1978؟
ـ في هذا اليوم تحققت رغبتي في الدخول للسلك العسكري في وزارة الداخلية.
] إذن تلك كانت أمنيتكم؟
ـ نعم، تلك كانت أمنيتي ورغبتي وأسرد لكم قصة لا يعلم تفاصيلها الا القليل، في البدء لابد أن أذكر بأني لا أنسى فضل الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، في تحقيق تلك الرغبة والأمنية على أساس علمي وأكاديمي، فكنت أذهب له، رحمه الله، عندما كان في ذلك الوقت وزيرا للداخلية والدفاع لكي ألتحق بوزارة الداخلية وفق القانون الذي يعطي الحق بأنه بعد الدبلوم يحق للفرد الالتحاق بالسلك العسكري في وزارة الداخلية بعد القيام بدورة عسكرية لمدة عامين، وكنت بالفعل قد أنهيت عامين من الدراسة في الجامعة التي كان من الممكن أن تحتسب لي بأنها دبلوم، ويحق لي الالتحاق بالكلية العسكرية ولكنه كان يماطلني، فيوم يقول لي راجعني بعد اسبوع في وزارة الدفاع ومرة يقول لي، رحمه الله، راجعني بعد اسبوعين، وفي يوم عند لقائي به قال لي: «بعد سنتين عندما تنتهي من دراستك الجامعية، أنا باستطاعتي أن أدخلك الآن ولكن أنا أريد أن تدخل السلك العسكري وأنت جامعي»، وبالفعل كنت قد أنهيت السنة الثالثة من دراستي في الجامعة ولم يبق إلا السنة النهائية على التخرج وبالفعل تخرجت من الجامعة والتحقت بالكلية العسكرية وكانت الدورة الأولى للجامعيين مكونة من 9 طلاب، والحمد لله اجتزتها بتفوق وكنت الأول على الدفعة، وهذا مثبت في الأكاديمية، ومن ثم التحقت بوزارة الداخلية كضابط جامعي وتحققت أمنيتي على أساس جامعي وعسكري، وهذا لن أنساه للشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، الذي كانت رغبته بأن أكون ضابطا حاملا لشهادة جامعية، والحمد الله تحقق حلمه وتحققت رغبتي وأمنيتي.
الجنسية ووثائق السفر
] في عام 1996 كشفتم عن الكثير من القضايا الأمنية وناديتم بها وطالبتم بحلول جذرية منها نظام الربط الموحد ـ البصمة الوراثية ـ الكشف عن التلاعب في الجنسية ـ قضية البدون، والعديد من التصريحات والأمور التي ناديتم بها وطالبتم بحلول جذرية لها واليوم نرى ما ناديتم به منذ عام 1996 في الطريق إلى حلول جذرية والبعض منها انجز منه الكثير بالفعل فأنتم النواة الأمنية لتلك القضايا؟
ـ ليس أنا فقط بل هو نتاج من العديد من التعاون مع زملائي ورؤسائي في العمل كنا مجموعة نعمل من أجل أمن الكويت فلا أقدر أن أنسب لشخصي بأنني أعمل بمفردي لأن مبدئي على الدوام هو العمل من خلال مجموعة وليس العمل بنظرة الفرد والشخصانية فما ذكرت من تصريحات كانت من نتاج عمل جماعي وليس فردي، ولكن ما قمت بالفعل به وعملت عليه من خلال منصبي في ذلك الوقت كمدير عام للإدارة العامة للجنسية ووثائق السفر هو الربط بين الجنسية والجواز والمواليد والبطاقة المدنية، حيث كان في ذلك الوقت المعتاد عليه عندما يرزق شخص بمولود يذهب للمكان المخصص، وكان في حولي في ذلك الوقت في ذلك الوقت إذا لم تخب ذاكرتي، ليثبت المولود ويقوم بتسجيله ومن ثم يأخذ ورقة من هناك ويأتي لإدارة الجنسية لتثبيت المولود ومن ثم يأخذ ورقة من إدارة الجنسية ووثائق السفر بعد تثبيت المولود ويذهب للبطاقة المدنية، فكانت عملية مرهقة للآباء، فهنا قمت باقتراح مع الهيئات الأخرى وكنت في ذلك الوقت امتلك الكفة الأقوى في اتخاذ القرار وفق منصبي كمدير للإدارة العامة للجنسية ووثائق السفر فكان القرار وضع مكتب للإدارة العامة للجنسية ووثائق السفر ومثله للبطاقة المدنية في مكتب المواليد وهذا للتسهيل على المواطن في إنجاز المعاملات بوقت قصير وبالفعل طبق الاقتراح وعمل به وكان نواة الربط الذي حدث بعد ذلك.
] .. والرقم الموحد؟
ـ عفوا الرقم الموحد هو هدف وزارة الداخلية وليس فكرة شخصية لي ولا أحب أن أنسب لي شيئا وهو ليس لي، فالرقم الموحد هو هدف أمني ومشروع كامل متكامل لوزارة الداخلية وليس لفرد.
] من المعروف عنكم أنكم ترفضون كلمة «أنا» وما التمسته من القراءات والأحاديث واللقاءات عنكم ولكم بأنك متواضع جدا، وبرغم هذا فإنني أنسب إليكم بأنكم أول من ناديتم بأن لا توجد قضية تسمى «البدون» ففي عام 1995 أدليتم بتصريح إعلامي أثناء عملكم كمدير للإدارة العامة للجنسية ووثائق السفر بأن 90 في المائة من البدون لهم أصول خارجية وهذا ما نراه اليوم على أرض الواقع وكشف عنه الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية «البدون» مع اختلاف النسب المئوية وتقاربها في نفس الوقت؟
ـ هي ليست بقضية لأني لا أعتقد أن هناك شخصا ليس له أصول فما قمت بالتصريح به في ذلك الوقت وأذكره إلى الآن أنه لا يوجد إنسان لا يمتلك موطنا له وإذا لا يعلم موطنه فبالتأكيد له أب وجد معروف من أين أصولهم، إذن لا يوجد شيء اسمه «بدون» وللعلم بأن ما قمت بالتصريح به والكشف عنه ليس بمجهود فردي ولكن هو أيضا عمل جماعي ولا أنسى دور اللواء المتقاعد عادل المنيس وجهده وعمله على هذا الملف في ذلك الوقت، واليوم ما قمنا به من عمل أكمله الأخ صالح الفضالة الذي اشيد بعمله وما قام به من جهد مكثف لاستكمال ما قمنا به كمجموعة ومن أتوا من بعدنا في ذلك الملف الأمني والوطني وإعطاء الحلول الجذرية والكشف عن الكثير ممن كانوا ينادون بعدم انتسابهم لوطن ويطلقون على أنفسهم «بدون» وأعتقد أن دولة الكويت لم تقصر معهم عندما يبدون هم حسن النية مع الدولة، فالكويت دائما دولة معطاءة لكل من لجأ لها وموطن للإنسانية والخير في ظل قيادة قائد الإنسانية سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد.
كبار السن والمعاقين
] صدور قرار من الفريق يوسف الخرافي في تاريخ 2/9/1998 بالتعاون وتسهيل المعاملات لذوي الإعاقة وكبار السن وكنتم أول من فعل هذا القانون والكل أشاد بما كنتم تقومون به مع المعاقين وكبار السن؟
ـ نعم بالفعل صدر قرار من الفريق يوسف الخرافي وهو معلم لنا ومدرسة عسكرية بحد ذاتها ولا تشكيك بهذا الشيء، فعندما أصدر القرار قمت انطلاقا من واجبي كمدير لإدارة الجنسية ووثائق السفر بتشكيل فريق متكامل لمن يصعب عليه الحضور لأي سبب، على سبيل المثال امرأة عجوز لا تستطيع الحضور أو رجل شايب لا يستطيع الحضور للإدارة وغيرها من أسباب تعيق هؤلاء المسنين والمعاقين من الحضور وضرورة إنهاء معاملاتهم فكانت تلك المجموعة تذهب لمن يصعب عليه الحضور لمكانه وينجزوا له المعاملة.
الإعلام
] الفريق الشيخ محمد اليوسف السعود الصباح وكيل وزارة الداخلية المساعد لشؤون أمن الحدود، من المعروف عنه أنه يرفض الظهور الإعلامي ويعمل بصمت دون فلاشات وإضاءات إعلامية لما يقوم به من عمل، وبرغم هذا نجدك فارسا محاربا للدفاع أمام وسائل الإعلام عن أي شيء يخص الكويت وأمنها، فلماذا الابتعاد عن الإعلام؟
ـ لماذا أكون بالإعلام فأنا مواطن أقوم بعملي المفروض على تأديته على أكمل وجه، فما دور الإعلام في أداء واجبي؟
ولكن عندما يحدث تجن على إدارتي وأبنائي وزملائي في العمل هنا أذهب للإعلام وأتكلم وأدافع بما أنني على حق، فعلى سبيل المثال عندما أتصل بي الأستاذ عادل الزواوي للسؤال والاستفسار عما تتداوله وسائل التواصل الاجتماعي وكم الشائعات التي وجهت ظلما علينا دون دليل بأن الهاربين من «خلية العبدلي» قد تم تهريبهم عبر البحر، فقلت هذا غير صحيح وإذا ثبت عكس ذلك فمن حق أهل الكويت أن يحاكموني.
] مع العلم في بادئ الأمر أن هذا عملنا وواجبنا، عندما حدثت تلك الواقعة كان أغلب القياديين في إدارة خفر السواحل ساهرين داخل البحر أياما عدة تأهبا لأي محاولة تهريب للهاربين الـ 14، لن أقول لا يمكن خروجهم، فنحن لا نستطيع ان نسيطر تماما على 2900 مسنة، فهل أضع على كل مسنة عسكري يسجل من نزل ومن أتى؟.
ـ وبرغم من تلك الصعوبة إلا أن إدارتي كانت على شبه يقين بأنهم لم يخرجوا من الدولة وهذا يرجع لأجهزتنا التي أوضحت أن لا يوجد خروج غير رسمي، من هذا المنطلق أتت ثقتي، وقمت بالإجابة على عادل الزواوي لما امتلكه من ثقة في جهازي وإدارتي وأبنائي بل وضعت نفسي للمساءلة القانونية إذا ثبت بأنهم خرجوا عن طريق البحر لأني على يقين كيف أسست إدارتي، ومن هم رجال إدارتي.
] على الدوام نلاحظ الفريق محمد اليوسف الصباح ينادي بالحفاظ على البيئة سواء أكان برا أو بحرا، بل الأول من يسارع لتفادي وإنقاذ أي خطر يواجه البيئة في الكويت، منذ أكثر من شهر واجهت الكويت بقعة زيت وكان أول من قام بالتحرك والكشف عنها هو خفر السواحل كيف بدأت الحكاية؟
ـ برغم من أن الإدارة غير مؤهلة لذلك إلا أن خفر السواحل هم أول من أبلغت الأجهزة المعنية لمكافحة بقع الزيت بعد ما لاحظ البعض في الإدارة تلك البقعة، فنحن أمن ولسنا جهة مختصة، لذلك فوظيفتنا الرصد والتبليغ وهذا ما حدث وبرغم من أننا جهة أمنية إلا انه عندما لوحظت تلك البقعة في 10/8/2017 قام أبناء خفر السواحل بل وجميع الإدارات بوزارة الداخلية بما يمتلكون من إمكانيات بمساعدة الجهات المختصة، لذلك فأنا أستغرب بأن الهيئة العامة للبيئة لا تمتلك «طراريد»، فقمنا بمساعدتهم بطراريدنا حفاظا على أمن الكويت وأمان المواطنين، ولكن ما يحزنني بأن أجد في هذا الوقت أن الجهة المختصة على الحفاظ للبيئة إمكانياتها جدا فقيرة.
] سعادة الفريق الشيخ محمد اليوسف الصباح في عام 2016 تم انتقالكم وكيلا مساعدا لإدارة الشؤون القانونية لوزارة الداخلية لفترة وجيزة ومن ثم عدت لقطاع أمن الحدود مرة أخرى هل من الممكن أن نعرف لماذا؟ وكيف تم انتقالك؟
ـ بدأت الإجابة بضحكة من الفريق الشيخ محمد اليوسف الصباح ثم قال يمكن الرؤساء السابقين كانوا يعتقدون بأنني أحد تلاميذ الدكتور عبدالرزاق السنهوري.
شخصيات لا تنسى في حياة الفريق محمد اليوسف الصباح.
علي صباح السالم رحمه الله
] مَنْ هو الشيخ علي صباح السالم بالنسبة للفريق الشيخ محمد اليوسف؟
ـ أسطورة بكل ما تحمل الكلمة من معان وقمت بتسمية ابني «علي الصباح» بعد وفاته بثلاثة شهور رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
] وما قصة الورقة المبعوثة من قبل الشيخ علي صباح السالم لكم وملازمتها معكم في كل مكتب تنقل له؟
ـ قصة عادية ولكن لها معاني كثيرة تذكرني بالشيخ علي صباح السالم رحمه الله مع العلم بأنني لا أنساه، في يوم بعث لي عندما كنت مقدما بورقة يحملها أحد أعضاء مجلس الأمة السابقين يطلب مني بأن أحل له مسألة ما ومن هذا الوقت أخذت تلك الورقة ووضعتها في برواز وأصبحت تصاحبني أينما كنت في عملي.
] تعددت صور الحزن وآلامه ولكن من يشاهدكم لحظة دفن الشيخ خالد اليوسف رحمه الله يرى حقيقة الحزن والفراق على وجهكم ودمعتكم، خالد اليوسف رحمه الله هل هو حبكم الخالد؟
ـ أخي خالد كان الأخ المقرب لجميع اخواني ولي شخصيا، خالد كان فرحة بيت يوسف السعود، عشت معه فترة مرضه ولابد علي أن أذكر أشخاصا كانوا يرافقوننا رحلة العلاج الأخ براك الأستاذ الذي لم يفارق أخي دقيقة واحدة أثناء مرضه وأيضا بدر العصفور، افتقدته وشعرت بحبه عندما فارقنا.
] ماذا يعني لك الفريق عبدالله الفارس؟
ـ هو قدوة في العمل الأمني، معلم من الطراز الأول، مدرسة عسكرية بحد ذاتها، تعلمت منه الكثير رغم أنني لم أعمل معه إلا في بعض الأمور، حيث حالفني الحظ وعملت تحت أمرته، ولكن كنت في بعض الجرائم المعقدة أذهب وأحضر لأسمع وأرى توجيهاته لأتعلم منه.
] الشيخ علي اليوسف الصباح؟
ـ سند.. كل إخواني سند لبعضهم.. وكلنا إيد واحدة والتي تجمعنا الله يحفظها لنا «أم محمد» سبيكة بنت أحمد الحميضي وأمنا الثانية بيبي اليوسف الصباح.
] الشيخ يوسف السعود الصباح، رحمه الله، كان حبه «لأم محمد» معروفا لدى الجميع، ويقال ان هذا الحب انتقل بعد وفاة الشيخ يوسف السعود الصباح إلى الشيخ والابن محمد اليوسف السعود الصباح؟
ـ صحيح، وبدقة أكثر هذا الحب ازداد أكثر لوالدتي من والدي وأصبح ملحوظا جدا في آخر ايامه، فوالدي الشيخ يوسف السعود توفي صغيرا، حيث كان عمره 58 عاما، رحمه الله.
وأتذكر قبل وفاته كنت أعشق البر والصحراء وتربية الغنم، فكان على الدوام يأتي لي والدي، رحمه الله، ومعه والدتي، وينامان عندي، وكنت أرى مقدار الحب والمعزة من والدي لها، وكيف التعامل بينهم، وبالفعل بعد وفاته أصبح هذا الحب لا أقدر ان أقول أنا فقط، بل كل اخواني نعمل جاهدين من أجل أن نملأ هذا الحب الذي كان والدي يحب به تلك المرأة.
] ماذا أعطت الشيخة لطايف عبدالله الخليفة الصباح لكم؟
ـ أم سعود أعطتني كنزا لا يقدر بثمن.
] سعادة الفريق الشيخ محمد اليوسف الصباح، تتبقى أيام معدودة وتنتهي خدمتك في السلك العسكري، نريد أن نسألك: هل تشعر بأنك قمت بكل ما كنت تريد عمله وبالأخص في خفر السواحل؟
ـ بالطبع «لا» مستحيل، فأنا أمتلك الكثير لم أنفذه إلى الآن.
] مثل؟
ـ العديد من الأشياء كنت أريد القيام بها مثالا لا حصرا، أن أقوم بالتطوير أكثر مما قمت به كنت أريد أن أميز رجال خفر السواحل بحوافز أكثر، فأنا باعتقادي أن أي إنسان لديه هدف ووصل له من المستحب أن ينسحب، ولكن أنا على الدوام عندي أهداف جديدة، لذلك لم أصل لهدفي، ولهذا لا أستطيع أن أقول إنني حققت كل ما تمنيت تحقيقه، وبالأخص في هذا القطاع الأمني.
] محمد اليوسف العسكري والإنسان والكويتي إذا طلب منكم بعد التقاعد الاستمرار بأي صورة وبأي منصب، هل توافقون على الاستمرار؟
ـ طبعا أقبل وأنا حاضر لخدمة الكويت كعمل وليس بمنصب شرفي.