الحديث عن سلطنة عُمان لا يحتاج بالضرورة إلى مناسبة معينة، فهذه السلطنة الفتية تظل حاضرة دوما، لكونها تشكل نموذجا متفردا، ليس فقط في محيطها الخليجي، ولكن أيضا في المنطقة العربية كلها.
غير أن العيد الوطني الذي يوافق الثامن عشر من نوفمبر، وتحل بعد أيام ذكراه السابعة والأربعون، يشكل في حد ذاته مناسبة للفرح والبهجة، لأنه يذكر بالبداية الحقيقية لعمان الحديثة، التي أرسى دعائمها وأقام نهضتها جلالة السلطان قابوس بن سعيد، من خلال رؤية حكيمة وشاملة، أدركت منذ وقت مبكر أن السلطنة إذا أرادت أن تنجح، فإنها لا بد أن تصنع نموذجها النهضوي والتنموي الخاص. لا يعني ذلك بالطبع أن تعزل نفسها عن محيطها وجوارها، أو أن تحرم نفسها من الاستفادة من خبرات وتجارب الآخرين، وإنما معناه أن تفعل كما تفعل النحلة، حين تقف على ما يحلو لها من أزهار، وفي النهاية تفرز شهدها الخاص، الذي لا يشبه زهرة بعينها، بل يكون مزيجا صافيا من كل الزهور. وهذا بالضبط ما صنعته عُمان، فقد أفادت من كل تجارب النهضة والتنمية التي سبقتها، لكنها شقت لنفسها مجرى خاصا بها، أصبح مضرب الأمثال، ويعد هو نفسه نموذجا يقتدي به الآخرون.
فعلى سبيل المثال، فإنه في الوقت الذي تنبهت فيه الكثير من الدول المنتجة للنفط، خلال السنوات الأخيرة، إلى ضرورة تنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على مصدر وحيد للدخل وهو النفط، كانت السلطنة سباقة في هذا الميدان، فقد أقامت سياساتها التنموية منذ البدء، على أساس تنويع مصادر الدخل، ومن ثم رأيناها تتوسع بصورة كبيرة في برامج النشاط الزراعي، وكذلك النشاط السياحي، حتى غدت دولة منتجة وقادرة على تصدير العديد من المحاصيل الزراعية، كما باتت واحدة من أهم دول المنطقة في إمكاناتها السياحية، وتستقبل الآن ملايين السياح الخليجيين والعرب والأجانب، الذين يستمتعون ليس فقط بطبيعتها الساحرة الخلابة، وإنما أيضا بطيبة أهلها وكرم أخلاقهم، وابتسامتهم التي تعد جواز سفر للدخول إلى قلوب الناس، وإشعارهم بالآلفة والمودة وحسن المعاشرة.
ولا يمكن لأحد أن يغفل كذلك، أن مما تتميز به السلطنة، هو سياستها الخارجية القائمة على الوسطية والاعتدال، وإقامة جسور من الصداقة والمودة مع كل الدول والشعوب، وهو ما جعلها قبلة للجميع، يقصدونها موقنين أنهم سيجدون عندها الملجأ والملاذ، وأنها ستكون صدرا حانيا للجميع، وهذا ما ساعدها أيضا على النجاح في كل المساعي التي تصدت من خلالها للتوفيق والصلح بين بعض الدول.
هكذا إذن تمثل السلطنة النموذج الرائد والفريد بحق في منطقتها، وهكذا أيضا يحق لنا أن نفرح ونغتبط بالعيد الوطني لهذه الدولة الشقيقة، والعزيزة على نفس كل خليجي وعربي، بل والمحبوبة من كل دول العالم، دون استثناء.
كل عام والسلطنة وقيادتها وشعبها بألف خير.